كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 21)

التخيير والإحتراز عن شائبة الإكراه قيل : وهو السر في تقديم التمتيع على التسريح ووصف التسريح بالجميل
هذا وأختلف فيما وقع من التخيير هل كان تفويض الطلاق إليهن حتى يقع الطلاق بنفس الإختيار أولا فذهب الحسن وقتادة وأكثر أهل العلم على ما في إرشاد العقل السليم وهو الظاهر إلى أنه لم يكن تفويض الطلاق وإنما كان تخييرا لهن بين الإرادتين على أنهن إن أردن الدنيا فارقهن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كما ينبيء عنه قوله تعالى : فتعالين أمتعكن وأسرحكن وذهب آخرون إلى أنه كان تفويضا للطلاق إليهن حتى لو أنهن أخترن أنفسهن كان ذلك طلاقا وكذا أختلف في حكم التخيير بأن يقول الرجل لزوجته إختاري فتقول أخترت نفسي أو أختاري نفسك فتقول أخترت فعن زيد بن ثابت أنه يقع الطلاق الثلاث وبه أخذ مالك في المدخول بها وفي غيرها يقبل من الزوج دعوى الواحدة وعن عمر وإبن عباس وإبن مسعود أنه يقع واحدة رجعية وهو قول عمر بن عبدالعزيز وإبن أبي ليلى وسفيان وبه أخذ الشافعي وأحمد
وعن علي كرم الله تعالى وجهه أنه يقع واحدة بائنة وروى ذلك الترمذي عن إبن مسعود وأيضا عن عمر رضي الله تعالى عنهما وبذلك أخذ أبو حنيفة عليه الرحمة فإن أختارت زوجها فعن زيد بن ثابت أنه تقع طلقة واحدة وعن علي كرم الله تعالى وجهه روايتان إحداهما أنه تقع واحدة رجعية والأخرى أنه لا يقع شيء أصلا وعليه فقهاء الأمصار
وذكر الطبرسي أن المروى عن أئمة أهل البيت رضوان الله تعالى عليهم أجمعين إختصاص التخيير بالنبي صلى الله تعالى عليه وسلم وأما غيره عليه الصلاة و السلام فلا يصح له ذلك وأختلف في مدة ملك الزوجة الإختيار إذا قال لها الزوج ذلك فقيل : تملكه ما دامت في الجلس وروى هذا عن عمر وعثمان وإبن مسعود رضي الله تعالى عنهم وبه قال جابر بن عبدالله وجابر بن زيد وعطاء ومجاهد والشعبي والنخعي ومالك وسفيان والأوزاعي وأبو حنيفة والشافعي وأبو ثور وقيل : تملكه في المجلس وفي غيره وهو قول الزهري وقتادة وأبي عبيدة وإبن نصر وحكاه صاحب المغنى عن علي كرم الله تعالى وجهه
وفي بلاغات محمد بن الحسن أنه كرم الله تعالى وجهه قائل بالإقتصار على المجلس كقول الجماعة رضي الله تعالى عنهم أجمعين وتمام الكلام في هذه المسئلة وما لكل من هذه الأقوال وما عليه يطلب من كتب الفروع كشروح الهداية وما يتعلق بها بيد أني أقول : كون ما في الآية هو المسئلة المذكورة في الفروع التي وقع الإختلاف فيها مما لا يكاد يتسنى وتأول الخفاجي إستدلال من أستدل بها في هذا المقام بما لا يخلو عن كلام عند ذوي الإفهام هذا وذكر الإمام في الكلام على تفسير هذه الآية عدة مسائل الأولى أن التخيير منه صلى الله تعالى عليه وسلم قولا كان واجبا عليه عليه الصلاة و السلام بلا شك لأنه إبلاغ الرسالة وأما معنى فكذلك عل ىالقول بأن الأمر للوجوب الثانية أنه لو أردن كلهن أو إحداهن الدنيا فالظاهر نظرا إلى منصب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أنه يجب عليه التمتيع والتسريح لأن الخلف في الوعد منه عليه الصلاة و السلام غير جائز الثالثة أن الظاهر أنه لا تحرم المختارة بعد البينونة على غيره عليه الصلاة و السلام وإلا لا يكون التخيير ممكنا من التمتع بزينة الدنيا الرابعة أن الظاهر أن من أختارت الله تعالى ورسوله

الصفحة 183