كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 21)

وقرأ إبن عباس ألا بالتي إلخ على أن إلا حرف تنبيه وإستفتاح والتقدير ألا جادلوهم التي هي أحسن وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا من القرآن و الذي أنزل إليكم أي وبالذي أنزل إليكم من التوراة والإنجيل وهذا القول نوع من المجادلة بالتي هي أحسن وعن سفيان بن حسين أنه قال : هذه مجادلتهم بالتي هي أحسن وأخرج البخاري والنسائي وغيرهما عن أبي هريرة قال : كان أهل الكتاب يقرؤن الكتاب بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا إمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم الآية والتصديق والتكذيب ليسا نقيضين فيجوز إرتفاعهما
وإلهنا وإلهكم واحد لا شريك له في الألوهية ونحن له مسلمون 64 أي مطيعون خاصة كما يؤذن بذلك تقديم له وفيه تعريض بإتخاذهم أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله تعالى
وكذلك أنزلنا إليك الكتاب تجريد للخطاب لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وذلك إشارة إلى مصدر الفعل الذي بعده وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد منزلة المشار إليه في الفضل أي مثل ذلك الإنزال البديع الشأن الموافق لإنزال سائر الكتب أنزلنا إليك القرآن الذي من جملته هذه الآية الناطقة بما ذكر من المجادلة بالتي هي أحسن وقيل : الإشارة إلى ما تقدم لذكر الكتاب وأهله أي وكما أنزلنا الكتب إلى من ق بلك أنزلنا إليك الكتاب
فالذين آتيناهم الكتاب من الطائفتين اليهود والنصارى على أن المراد بالكتاب جنسه الشامل للتوراة والإنجيل والكلام على ظاهره وقيل : هو على حذف مضاف أي آتيناهم علم الكتاب يؤمنون به بالكتاب الذي أنزل إليك وقيل : الضمير له صلى الله تعالى عليه وسلم وهو كما ترى والمراد بهم في قول من تقدم عهد النبي صلى الله تعالى عليه وسلم من أولئك حيث كانوا مصدقين بنزول القرآن حسبما علموا مما عندهم من الكتاب والمضارع لإستحضار تلك الصورة في الحكاية وتخصيصهم بإيتاء الكتاب للإيذان بأن ما بعدهم من معاصري رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قد نزع عنهم الكتاب بالنسخ وفي قول آخر معاصروه عليه الصلاة و السلام العاملون بكتابهم من عبدالله بن سلام وأضرابه وتخصيصهم بإيتاء الكتاب لما أنهم هم المنتفعون به فكأن من عداهم لم يؤتوه قيل : هذا يؤيد القول : بأن الآيات المذكورة مدنية إذ كونها مكية وعبدالله ممن أسلم بعد الهجرة بناء على أنه أعلام من الله تعالى بإسلامهم في المستقبل والتفصيل بإعتبار الإعلام بعيد جدا وجوز الطبرسي أن يراد بالموصول المسلمون من هذه الأمة وضمير به للقرآن ولا يخفى ما فيه ولعل الأظهر كون المراد به علماء أهل الكتابين الحريون بأن ينسب إليهم إيتاء الكتاب كعبدالله بن سلام وأضرابه ولا بعد في كون الآيات مكية بناء على ما سمعت والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها فإن إيمانهم به مترتب على إنزاله على الوجه المذكور ومن هؤلاء أي ومن العرب أو من أهل مكة على أن المراد بالموصول عبدالله وأضرابه أو ممن في عصره صلى الله تعالى عليه وسلم من اليهود والنصارى على أن المراد به من تقدم من يؤمن به أي بالكتاب الذي أنزل إليك ومن على ما أستظهره بعضهم تبعيضية واقعة موقع المبتدأ وله نظائر في الكتاب الكريم وما يجحد بآياتنا أي وما يجحد به وأقيم هذا الظاهر مقام الضمير للتنبيه على ظهور دلالة الكتاب على

الصفحة 3