كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 21)
ما فيه وكونه من عند الله عزوجل والإضافة إلى نون العظمة لمزيد التفخيم وفيما ذكر غاية التشنيع على من يجحد به
والجحد كما قال الراغب : نفي ما في القلب ثباته وإثبات ما في القلب نفيه وفسر هنا بالإنكار عن علم فكأنه قيل : وما ينكر آياتنا مع العلم بها إلا الكافرون 74 أي المتوغلون في الكفر المصممون عليه فإن ذلك يمعنهم عن الإقرار والتسليم وقيل : يجوز أن يفسر بمطلق الإنكار ويراد بالكافرين المتوغلون في الكفر أيضا لدلالة فحوى الكلام والتعبير بآياتنا على ذلك أي وما ينكر آياتنا مع ظهورها وإرتفاع شأنها إلا المتوغلون في الكفر لأن ذلك يصدهم عن الإعتناء بها والإلتفات إليها والتأمل فيما يؤديهم إلى معرفة حقيتها والمراد بهم من أتصف بتلك الصفة من غير قصد إلى معين وقيل : هم كعب بن الأشرف وأصحابه
وما كنت تتلوا من قبله أي وما كنت من قبل إنزالنا إليك الكتاب تقدر على أن تتلو من كتاب أي كتابا على أن من صلة ولا تخطه ولا تقدر على أن تخطه بيمينك أو ما كانت عادتك أن تتلوه ولا تخطه وذكر اليمين زيادة تصوير لما نفى عنه صلى الله تعالى عليه وسلم من الخط فهو مثل العين في قولك : نظرت بعيني في تحقيق الحقيقة وتأكيدها حتى لا يبقى للمجاز مجاز إذا لأرتاب المبطلون 84 أي لو كنت ممن يقدر على التلاوة والخط أو ممن يعتادها لأرتاب مشركو مكة وقالوا : لعله ألتقطه من كتب الأوائل وحيث لم تكن كذلك لم يكن لإرتيابهم وجه وكأن إحتمال التعلم مما لم يلتفت إليه لظهور أن مثله من الكتاب المفصل الطويل لا يتلقى ويتعلم إلا في زمان طويل بمدارسة لا يخفى مثلها ووصف مشركي مكة بالأبطال بإعتبار إرتيابهم وكفرهم وهو عليه الصلاة و السلام أمي فكأنه قيل : إذن لأرتاب هؤلاء المبطلون الآن وكان إذ ذاك لإرتيابهم وجه وقيل : وصفهم بذلك بإعتبار إرتيابهم وهو صلى الله تعالى عليه وسلم أمي وبإعتبار إرتيابهم وهو عليه الصلاة و السلام ليس بأمي أما كونهم مبطلين بالإعتبار الأول فظاهر وأما كونهم كذلك بالإعتبار الثاني فلأن غاية ما يلزم من عدم أميته إنتفاء أحد وجوه الأعجاز ويكفي الباقي في الغرض فيكون المرتاب مبطلا كالمرتاب في نبوة الأنبياء الذين لم يكونوا أميين وصحة ما جاؤا به
والأول أظهر وكون المراد بالمبطلين مشركي مكة هو المروى عن مجاهد وقال قتادة : هم أهل الكتاب أي لو كنت تتلو من قبل أو تخط لأرتاب أهل الكتاب لأن نعتك في كتابهم أمي ووصفهم بالأبطال قيل : بإعتبار إرتيابهم وهو عليه الصلاة و السلام أمي كما هو الواقع وإلا فهم ليسوا بمبطلين في إرتيابهم على فرض عدم كونه صلى الله تعالى عليه وسلم أميا وفي الكشف هذا فرض وتمثيل دلالة على أن مدار الأمر على المعجز وإن كونه عليه الصلاة و السلام أميا لا يخط ليس مما لا يتم دعواه به وتلك الدلالة لا تختلف والمنكر مبطل فتأمل
هذا وأختلف في أنه صلى الله تعالى عليه وسلم هل كان بعد النبوة يقرأ ويكتب أم لا فقيل : إنه عليه الصلاة و السلام لم يكن يحسن الكتاب وأختاره البغوي في التهذيب وقال : إنه الأصح وأدعى بعضهم أنه صلى الله تعالى عليه وسلم صار يعلم الكتابة بعد أن كان لا يعلمها وعدم معرفتها بسبب المعجزة لهذه الآية فلما نزل القرآن وأشتهر الإسلام وظهر أمر الإرتياب تعرف الكتاب حينئذ وروى إبن أبي شيبة وغيره
الصفحة 4
188