كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 21)
في كل أحد فلا بد من لزومها بترتيب مقتضاها عليها وعدم الإخلال به بما ذكر من إتباع الهوى ووسوسة الشياطين وقال الإمام : يحتمل أن يقال : إن الله تعالى خلق خلقه للعبادة وهم كلهم عبيده لا تبديل لخلق الله أي ليس كونهم عبيدا مثل كون المملوك عبدا للإنسان فإنه ينتقل عنه إلى غيره ويخرج عن ملكه بالعتق بل لا خروج للخلق عن العبادة والعبودية وهذا لبيان فساد قول من يقول : العبادة لتحصيل الكمال وإذا كمل للعبد بها لا يبقى عليه تكليف
وقول المشركين : إن الناقض لا يصلح لعبادة الله تعالى وإنما يعبد نحو الكواكب وهي عبيدالله تعالى وقول النصارى : إن عيسى عليه السلام كمل بحلول الله تعالى فيه وصار إلها وفيه ما فيه ومما يستغرب ما روى عن إبن عباس من أن معنى لا تبديل لخلق الله النهي عن خصاء الفحول من الحيوان وقيل : إن الكلام متعلق بالكفرة كأنه قيل : فأقم وجهك للدين حنيفا وألزم فطرة الله التي فطر الناس عليها فإن هؤلاء الكفرة خلق الله تعالى لهم الكفر ولا تبديل لخلق الله أي أنهم لا يفلحون وأنت تعلم أنه لا ينبغي حمل كلام الله تعالى على نحو هذا ذلك إشارة إلى الدين المأمور بإقامة الوجه له أو إلى لزوم فطرة الله تعالى المستفاد من الإغراء أو إلى الفطرة والتذكير بإعتبار الخبر أو بتأويل المشار إليه بمذكر الدين القيم المستوى الذي لا عوج فيه ولا إنحراف عن الحق بوجه من الوجوه كما ينبيء عنه صيغة المبالغة وأصله قيوم على وزن فيعل أجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء فيها ولكن أكثر الناس لا يعلمون 03 ذلك فيصدون عنه صدودا
وقيل : أي لا علم لهم أصلا ولو علموا لعلموا ذلك على أن الفعل منزل منزلة اللازم منيبين إليه أي راجعين إليه تعالى بالتوبة وإخلاص العمل من ناب نوبة ونوبا إذا رجع مرة بعد أخرى ومنه النوب أي النحل سميت بذلك لرجوعها إلى مقرها وقيل : أي منقطعين إليه تعالى من الناب السن خلف الرباعية لما يكون بها من الإنقطاع ما لا يكون بغيرها وتعقب بأنه بعيد لأن الناب يائي وهذا واوي وقد تقدم غير بعيد عدة أقوال في وجه نصبه وزاد عليها في البحر القول بكونه نصبا على الحال من الناس في قوله تعالى : فطر الناس وقدمه على سائر الأقوال وهو كما ترى وتقدم أيضا ما قيل في عطف قوله تعالى : وأتقوه أي من مخالفة أمره تعالى وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين 13 المبدلين لفطرة الله سبحانه تبديلا والظاهر أن المراد بهم كل من أشرك بالله عزوجل والنهي متصل بالأوامر قبله وقيل : بأقيموا الصلاة والمعنى ولا تكونوا من المشركين بتركها وإليه ذهب محمد بن أسلم الطوسي وهو كما ترى وقوله تعالى : من الذين فرقوا دينهم بدل من المشركين بإعادة الجار وتفريقهم لدينهم إختلافهم فيما يعبدونه على إختلاف أهوائهم وقيل : إختلافهم في إعتقاداتهم مع إتحاد معبودهم وفائدة الإبدال التحذير عن الإنتماء إلى حزب من أحزاب المشركين ببيان أن الكل على الضلال المبين
وقرأ حمزة والكسائي فارقوا أي تركوا دينهم الذي أمروا به أو الذي أقتضته فطرتهم وكانوا شيعا