كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 21)

هو خطاب لكل سامع وجوز غير واحد أن يكون لمن بسط له الرزق ووجه تعلق هذا الأمر بما قبله وإقترانه بالفاء على ما ذكره الزمخشري أنه تعالى لما ذكر أن السيئة أصابتهم بما قدمت أيديهم أتبعه ذكر ما يجب أن يفعل وما يجب أن يترك وحاصله على ما في الكشف أن إمتثال أوامره تعالى مجلبة رضاه والحياة الطيبة تتبعه كما أن عصيانه سبحانه مجلبة سخطه والجدب والضيقة من روادفه فإذا أستبان ذلك فآت يامحمد ومن تبعه أو فآت يامن بسط له الرزق ذا القربى حقه إلخ وذكر الإمام وجها آخر مبنيا على أن الأمر متفرع على حديث البسط والقدر وهو أنه تعالى لما بين أنه سبحانه يبسط ويقدر أمر جل وعلا بالإتفاق إيذانا بأنه لا ينبغي أن يتوقف الإنسان في الإحسان فإن الله تعالى إذا بسط الرزق لا ينقص بالإنفاق وإذا قدر لا يزداد بالإمساك كما قيل : إذ جادت الدنيا عليك فجدبها على الناس طرا إنها تتقلب فلا الجود يفنيها إذا هي أقبلت ولا البخل يبقيها إذا هي تذهب قال صاحب الكشف روح الله تعالى روحه : إن ما ذكره الزمخشري أوفق لتأليف النظم الجليل فإن قوله تعالى : أو لم يروا أن الله يبسط الرزق لتتميم الإنكار على من فرح بالنعمة عن شكر المنعم ويئس عند زوالها عنه والظاهر على ما ذكره الإمام أن المراد بالحق الحق المالي وكذا المراد به في جانب المسكين وإبن السبيل وحمل ذلك بعضهم على الزكاة المفروضة وتعقب بأن السورة مكية والزكاة إنما فرضت بالمدينة وإستثناء هذه الآية ودعوى أنها مدنية يحتاج إلى نقل صحيح وسبق النزول على الحكم بعيد ولذا لم يذكر هنا بقية الأصناف وحكى أن أبا حنيفة أستدل بالآية على وجوب النفقة لكل ذي رحم محرم ذكرا كان أو أنثى إذا كان فقيرا أو عاجزا عن الكسب ووجه بأن آت أمر للوجوب والظاهر من الحق بقرينة ما قبله أنه مالي ولو كان المراد الزكاة لم يقدم حق ذوي القربى إذ الظاهر من تقديمه المغايرة والشافعية أنكروا وجوب النفقة على من ذكر وقالوا : لا نفقة بالقرابة إلا على الولد والوالدين على ما بين في الفقه والمراد بالحق المصرح به في ذي القربى صلة الرحم بأنواعها وبالحق المعتبر في جانب المسكين وإبن السبيل صدقة كانت مفروضة قبل فرض الزكاة أو الزكاة المفروضة والآية مدنية أو مكية والنزول سابق على الحكم وأعترض على هذا بأنه إذا فسر حق الأخيرين بالزكاة وجب تفسير الأول بالنفقة الواجبة لئلا يكون لفظ الأمر للوجوب والندب ولذا أستدل أبو حنيفة عليه الرحمة بالآية على ما تقدم وفيه بحث
وقال بعض أجلة الشافعية رادا على الإستدلال : إنه كيف يتم مع إحتمال أن يكون الأمر بإيتاء الصدقة أيضا بدليل ما تلاه ثم إن ذا القربى مجمل عند المستدل ومن أين له أنه بين بذي الرحم المحرم وكذلك قوله تعالى : حقه ثم قال : والحق أنه أمر بتوفير حقه من الصلة لا خصوص النفقة وصلة الرحم من الواجبات المؤكدة إنتهى والحق أحق بالإتباع ودليل الإمام عليه الرحمة ليس هذا وحده كما لا يخفى على علماء مذهبه
وخص بعض الخطاب به صلى الله تعالى عليه وسلم وقال : المراد بذي القربى بنو هاشم وبنو المطلب أمر صلى الله تعالى عليه وسلم أن يؤتيهم حقهم من الغنيمة والفيء وفي مجمع البيان للطبرسي من الشيعة المعنى وآت يامحمد ذوي قرابتك حقوقهم التي جعلها الله تعالى لهم من الأخماس وروى أبو سعيد الخدري وغيره أنه لما نزلت هذه الآية أعطى عليه الصلاة و السلام فاطمة رضي الله تعالى عنها فدكا وسلمه إليها وهو المروى عن أبي جعفر وأبى عبدالله إنتهى وفيه أن هذا ينافي ما أشتهر عند الطائفتين من أنها رضي الله تعالى عنها

الصفحة 44