كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 21)

قبيل يجرح في عراقيبها تصلى أي لتربوا وتزيدوا أموال الناس ويجوز أن يكون ذلك للصيرورة أي لتصيروا ذوي ربا في أموال الناس وقرأ أبو مالك لتربوها بضمير المؤنث وكان الضمير للربا على تأويله بالعطية أو نحوها فلا يربوا عندالله أي فلا يبارك فيه في تقديره تعالى وحكمه عزوجل وما آتيتم من زكاة أي من صدقة تريدون وجه الله تبتغون به وجهه تعالى خالصا فأولئك هم المضعفون 93 أي ذوو الإضعاف على أن مضعفا أسم فاعل من أضعف أي صار ذا ضعف بكسر فسكون بأن يضاعف له ثواب ما أعطاه كأقوى وأيسر إذا صار ذا قوة ويسار فهو لصيرورة الفاعل ذا أصله ويجوز أن يكون من أضعف والهمزة للتعدية والمفعول محذوف أي الذين ضعفوا ثوابهم وأموالهم ببركة الزكاة ويؤيد هذا الوجه قراءة أبي المضعفون أسم مفعول وكان الظاهر أن يقال : فهو يربو عند الله لأنه الذي تقتضيه المقابلة إلا أنه غير في العبارة إذ أثبت غير ما قبله وفي النظم إذ أتى فيما قبل بجملة فعلية وهنا بجملة أسمية مصدرة بأسم الإشارة مع ضمير الفصل لقصد المبالغة فأثبت لهم المضاعفة التي هي أبلغ من مطلق الزيادة على طريق التأكيد بالأسمية والضمير وحصر ذلك فيهم بالإستحقاق مع ما في الإشارة من التعظيم لدلالته على علو المرتبة وترك ما أتوا وذكر المؤتى إلى غير ذلك والإلتفات عن الخطاب حيث قيل : فأولئك دون فأنتم للتعظيم كأنه سبحانه خاطب بذلك الملائكة عليهم السلام وخواص الخلق تعريفا لحالهم ويجوز أن يكون التعبير بما ذكر للتعميم بأن يقصد بأولئك هؤلاء وغيرهم والراجح في الكلام إلى ما محذوف أن جعلت موصولة وكذلك إن جعلت شرطية على الأصخح لأنه خبر على كل حال أي فأولئك هم المضعفون به أو فمؤتوا على صيغة أسم الفاعل أولئك هم المضعفون والحذف لما في الكلام من الدليل عليه وعلى تقدير مؤتوه العام لا يكون هناك إلتفات بالمعنى المتعارف وإعتبار الألتفات أولى وفي الكشاف أن الكلام عليه أملا بالفائدة وبين ذلك بأن الكلام مسوق لمدح المؤتين حثا في الفعل وهو على تقدير الإلتفات من وجوه أحدها الإشارة بأولئك تعظيما لهم والثاني تقريع الملائكة عليهم السلام بمدحهم والثالث ما في نفس الإلتفات من الحسن والرابع ما في أولئك على هذا من الفائدة المقررة في نحو
فذلك أن يهلك فحسبي ثناؤه
بخلافه إذا جعل وصفا للمؤتين وعلى ذلك التقدير يفيد تعظيم الفعل لا الفاعل وإن لزم بالعرض فلا يعارض ما يفيده بالإصالة فتأمل والآية على المعنى الأول للربا في معنى قوله عزوجل : أيمحق الله الربا ويربي الصدقات سواء بسواء والذي يقتضيه كلام كثير أنها تشعر بالنهي عن الربا بذلك المعنى لكن أنت تعلم أنها لو أشعرت بذلك لأشعرت بحرمة الربا بمعنى العطية التي يتوقع بها مزيد مكافأة على تقدير تفسير الربا بها مع أنهم صرحوا بعدم حرمة ذلك على غيره صلى الله تعالى عليه وسلم وحرمتها عليه عليه الصلاة و السلام لقوله تعالى : ولا تمنن تستكثر وكذا صرحوا بأن ما يأخذه المعطي لتلك العطية من الزيادة على ما أعطاه ليس بحرام ودافعه ليس بآثم لكنه لا يثاب على دفع الزيادة لأنها ليست صلة مبتدأ بل بمقابلة ما أعطى أولا ولا ثواب فيما يدفع عوضا وكذا لا ثواب في إعطاء تلك العطية أولا لأنها شبكة صيد ومعنى قول بعض التابعين الجانب المستغزر يثاب من هبته أن الرجل الغريب إذا أهدى إليك شيئا لتكافئه وتزيده شيئا فأثبه من هديته وزده
الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء الظاهر أن الأسم

الصفحة 46