كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 21)
الجليل مبتدأ و الذي خبره والإستفهام إنكاري و من شركائكم خبر مقدم و من مبتدأ مؤخر و من فيه للتبعيض و من ذلكم صفة شيء قدمت عليه فأعربت حالا و من فيه للتبعيض أيضا و شيء مفعول يفعل و من الداخلة عليه مزيدة لتأكيد الإستغراق وجوز الزمخشري أن يكون الأسم الجليل مبتدأ و الذي صفته والخبر هل من شركائكم إلخ والرابط أسم الإشارة المشار به إلى أفعاله تعالى السابقة فمن ذلكم بمعنى من أفعاله ووقعت الجملة المذكورة خبرا لأنها خبر منفي معنى وإن كانت إستفهامية ظاهرا فكأنه قيل : الله الخالق الرازق المميت المحيي لا يشاركه شيء ممن لا يفعل أفعاله هذه وبعضهم جعلها خبرا بتقدير القول فكأنه قيل : الله الموصوف بكونه خالقا ورازقا ومميتا ومحييا مقول في حقه هل من شركائكم من هو موصوف بما هو موصوف به
وتعقب ذلك أبو حيان بأن أسم الإشارة لا يكون رابطا إلا إذا أشير به إلى المبتدأ وهو هنا ليس إشارة إليه لكنه شبيه بما أجازه الفراء من الربط بالمعنى وخالفه الناس وذلك في قوله تعالى : والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن فإن التقدير يتربصن أزواجهم فقدر الضمير بمضاف إلى ضمير الذين فحصل به الربط
وكذلك قدر الزمخشري من ذلكم بمن أفعاله المضاف إلى ضمير المبتدأ لكن لا يخفى أن الإضافة غير معتبرة وعلى تقدير إعتبارها يلزم تقدير مضاف آخر وجوز أن تكون من الأولى لبيان من يفعل ومتعلقها محذوف و من يفعل فاعل لفعل محذوف أي هل حصل وأستقر من يفعل كائنا من شركائكم وكذا جوز في من الثانية أن تكون لبيان المستغرق وقيل : إن من الأولى ومن الثانية زائدتان كالثالثة وهو كما ترى والآية على ما قلناه أولا متضمنة جملتين دلت الأولى على إثبات ما هو من اللوازم المساوية للألوهية من الخلق والرزق والأماتة والأحياء له عزوجل وأفادت الثانية بواسطة عكس السالبة الكلية نفيها رأسا عن شركائهم الذين أتخذوهم شركاء له سبحانه من الأصنام وغيرها مؤكدا بالإنكار والعقل حاكم بأن ما يتخذ شريكا كالذي أتخذ في الحكم المذكور أعني نفي تأتي تلك الأفعال منه وإن شئت جعلت شركائكم شاملا للصنفين ويفهم من ذلك عدم صحة الشركة إذ لا يعقل شركة ما ليس باله لعدم وجود لازم الألوهية فيه لمن هو إله في الألوهية ولتأكيد ذلك قال سبحانه وتعالى : سبحانه وتعالى عما يشركون 04 أي عن شركهم والتعبير بالمضارع لما في الشرك من الغرابة أو للأشعار بإستمراره وتجدده منهم وأشار بعضهم إلى أن تينك الجملتين يؤخذ منهما مقدمتان موجبة وسالبة كلية مرتبتان على هيئة قياس من الشكل الثاني وإن قوله تعالى : سبحانه إلخ يؤخذ منه سالبة كلية هي نتيجة ذلك القياس فتكون الجملتان المذكورتان في حكم قياس من الشكل الثاني وقوله تعالى : سبحانه إلخ في حكم النتيجة له ولا يخفى إحتياج ذلك إلى تكلف فتأمل جدا وقرأ الأعمش وإبن وثاب تشركون بتاء الخطاب ظهر الفساد في البر والبحر كالجدب والموتان وكثرة الحرق والغرق وإخفاق الصيادين والغاصة ومحق البركات من كل شيئ وقلة المنافع في الجملة وكثرة المضار وعن إبن عباس أجدبت الأرض وأنقطعت مادة البحر وقالوا : إذا أنقطع القطر عميت دواب البحر وقال مجاهد : ظهر الفساد في البر بقتل إبن آدم أخاه وفي البحر باخذ السفن غصبا وفي رواية عن إبن عباس بأخذ جلندي كل سفينة غصبا ولعل المراد التمثيل وكذا يقال في قتل إبن آدم أخاه وكان أول معصية ظهرت في البر قال الضحاك : كانت الأرض خضرة مونقة لا يأتي إبن آدم شجرة إلا وجد عليها ثمرة وكان ماء البحر عذبا وكان لا يفترس الأسد البقر ولا الذئب