كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 21)

الغنم فلما قتل قابيل هابيل أقشعر ما في الأزض وشاكت الأشجار وصار ماء البحر ملحا زعافا وقصدا وقصد الحيوان بعضه بعضا
وذكر أن أول معصية في البحر غصب جلندي كل سفينة تمر عليه فكأن تخصيص الأمرين بالذكر لذلك وأياما كان فالبر والبحر على ظاهرهما وعن مجاهد البر البلاد البعيدة من البحر والبحر السواحل والمدن التي عند البحر والأنهار وقال قتادة : البر القيافي ومواضع القبائل وأهل الصحاري والعمود والبحر المدن والعرب تسمى الأمصار بحارا لسعتها ومنه قول سعد بن عبادة في عبدالله بن أبي بن سلول ولقد أجمع أهل هذه البحيرة يعني المدينة ليتوجوه
قال أبو حيان : ويؤيده هذا قراءة عكرمة والبحور بالجمع ورويت عن إبن عباس رضي الله تعالى عنهما وجوز النحاس أن يكون البحر على ظاهره إلا أن الكلام على حذف مضاف أي مدن البحر فهو مثل وأسأل القرية وجوز أيضا أن يراد بالفساد والمعاصي من قطع الطريق والظلم وغيرهما و أل في البر والبحر للجنس وكذا في الفساد أي ظهر جنس الفساد من الجدب والموتان ونحوهما في جنس البر وجنس البحر بما كسبت أيدي الناس أي بسبب ما فعله الناس من المعاصي والذنوب وشه وهذا كقوله تعالى : وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم وهو على التفسير الأول للفساد ظاهر وأما على تفسيره بالمعاصي فالمعنى ظهرت المعاصي في البر والبحر بكسب الناس إياها وفعلهم لها ومعنى قوله تعالى : ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون 14 على الأول ظاهر وهو أن الله تعالى قد أفسد أسباب دنياهم ومحقها وبال بعض أعمالهم في الدنيا قبل أن يعاقبهم بجميعها في الآخرة لعلهم يرجعون عما هم عليه وأما على الثاني فاللام مجاز على معنى أن ظهور المعاصي بسببهم مما أستوجبوا به أن يذيقهم الله تعالى وبال أعمالهم إرادة الرجوع فكأنهم إنما فسدوا وتسببوا لفشوا المعاصي في الأرض لأجل ذلك
وقرأ السلمي والأعرج وأبو حيوة وسلام وسهل وروح وإبن حسان وقنبل من طريق إبن مجاهد وإبن الصباح وأبي الفضل الواسطي عنه ومحبوب عن أبي عمرو لنذيقهم بالنون وظهور الفساد المذكور على ما أخرج إبن جرير وإبن أبي حاتم عن قتادة كان قبل أن يبعث النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فلما بعث عليه الصلاة و السلام رجع من رجع من الناس عن الضلال والظلم وقيل : كان أوائل البعثة وذلك أن كفار قريش فعلوا ما فعلوا من المعاصي والإصرار على الشرك وإيذاء الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم فدعا صلى الله تعالى عليه وسلم عليهم فأقحطوا وحل بهم من البلاء ما حل فأخبر الله سبحانه أن ذلك بسبب معاصيهم ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون
وفسر هذا القائل : الناس بكفار قريش وقيل : كان في زمان سابق على زمان النزول أعم من أن يكون الزمان الذي قبيل البعثة أو بعيدها أو غير ذلك وحكم الآية عام في كل فساد يظهر إلى يوم القيامة ومن هنا قيل : من أذنب ذنبا يكون جميع الخلائق من الإنس والدواب والوحوش والطيور والذر خصماءه يوم القيامة لأنه تعالى يمنع المطر بشؤم المعصية فيتضرر بذلك أهل البر والبحر جميعا وروى عن شقيق الزاهد أنه قال : من أكل الحرام فقد خان جميع الناس ووجه تعلق الآية بما قبلها نعى ما يعم الشرك وغيره من المعاصي

الصفحة 48