كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 21)
وفيما قبل نعى الشرك وفيها من تخويف المشركين ما فيها
وقال الإمام : في وجه التعلق هو أن الشرك سبب الفساد كما قال تعالى : لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا وإذا كان الشرك سببه جعل الله تعالى إظهارهم الشرك مورثا لظهور الفساد ولو فعل بهم ما يقتضيه قولهم لفسدت السموات والأرض كما قال سبحانه : تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا وإلى هذا أشار عزوجل بقوله سبحانه : ولنذيقهم بعض الذي عملوا إنتهى فتأمل وأنصف وقوله تعالى : قل سيروا في الأرض فأنظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل مسوق لتأكيد تسبب المعاصي لغضب الله تعالى ونكاله حيث أمروا بأن يسيروا فينظروا كيف أهلك الله تعالى الأمم وأذاقهم سوء العاقبة بمعاصيهم ويتحققوا صدق ما تقدم وقوله تعالى : كان أكثرهم مشركين 24 إستئناف للدلالة على أن الشرك وحده لم يكن سبب لدمير جميعهم بل هو سبب للتدمير في أكثرهم وما دونه من المعاصي سبب له في قليل منهم
وجوز أن يكون للدلالة على أن سوء عاقبتهم لفشو الشرك وغلبته فيهم ففيه تهويل لأمر الشرك بأنه فتنة لا تصيب الذين ظلموا خاصة فأقم وجهك للدين القيم أي إذا كان الأمر كذلك فأقم وتمام الكلام فيما هنا يعلم مما تقدم في هذه السورة الكريمة من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله جوز أن يتعلق بمرد وهو مصدر بمعنى الرد والمعنى لا يرده سبحانه بعد أن يجيء به ولا رد له من جهته عزوجل فيفيد إنتفاء رد غيره تعالى له بطريق برهاني وأعترض بأنه لو كان كذلك للزم تنوين يوم لمشابهته للمضاف
وأجيب بأنه مبنى على ما قال إبن مالك في التسهيل من أنه قد يعامل الشبيه بالمضاف معاملته فيترك تنوينه وحمل عليه قوله عليه الصلاة و السلام لا مانع لما أعطيت وتفصيله في شرحه وبعضهم جعله متعلقا بمحذوف يدل عليه مرد أي لا يرد من جهته تعالى أي لا يرده هو عزوجل وقيل : هو خبر مبتدأ محذوف والتقدير هو أي الرد المنفي كائن من الله تعالى والجملة إستئناف جواب سؤال تقديره ممن ذلك الرد المنفي وقيل : هو متعلق بمحذوف وقع حالا من الضمير في الظرف الواقع خبرا للا وقيل : متعلق بالنفي أو بما دل عليه وقيل : متعلق بمحذوف وقع صفة ليوم وجوز كثير تعلقه بيأتي أي من قبل أن يأتي من الله تعالى يوم لا يقدر أحد أن يرده
وتعقب بأن ذلك خلاف المتبادر من اللفظ والمعنى وهو مع ذلك قليل الفائدة وإرتضاء الطيبي فقال : هذا الوجه أبلغ لإطلاق الرد وتفخيم اليوم وإن إتيانه من جهة عظيم قادر ذي سلطان قاهر ومنه يعلم أن ذلك ليس قليل الفائدة نعم أن فيه الفصل الملبس وحال سائر الأوجه لا يخفى على ذي تمييز يومئذ أي يوم إذ يأتي يصدعون 34 أصله يتصدعون فقلبت تاؤه صادا وأدغمت والتصدع في الأصل تفرق أجزاء الأواني ثم أستعمل في مطلق التفرق أي يتفرقون فريق في الجنة وفريق في السعير وقيل : يتفرقون تفرق الأشخاص على ما ورد في قوله تعالى : يوم يكون الناس كالفراش المبثوث لا تفرق الفريقين فإن المبالغة في التفرق المستفادة من يصدعون إنما تناسب الأول ورجح الثاني بأنه المناسب للسياق والسباق إذ الكلام في المؤمنين والكافرين فما ذكر بيان