كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 21)
ما مات صلى الله تعالى عليه وسلم حتى كتب وقرأ
ونقل هذا للشعبي فصدقه وقال : سمعت أقواما يقولونه وليس في الآية ما ينافيه وروى إبن ماجه عن أنس قال : قال صلى الله تعالى عليه وسلم : رأيت ليلة أسري بي مكتوبا على باب الجنة الصدقة بعشر أمثالها والقرض بثمانية عشر والقدرة على القراءة فرع الكتابة ورد بإحتمال أقدار الله تعالى إياه عليه الصلاة و السلام عليها بدونها معجزة أو فيه مقدر وهو فسألت عن المكتوب فقيل : إلخ ويشهد للكتابة أحاديث في صحيح البخاري وغيره كما ورد في صلح الحديبية فأخذ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الكتاب وليس يحسن يكتب فكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبدالله الحديث وممن ذهب إلى ذلك أبو ذر عبد بن أحمد الهروي وأبو الفتح النيسابوري وأبو الوليد الباجي من المغاربة وحكاه عن السمناني وصنف فيه كتابا وسبقه إليه إبن منية ولما قال أبو الوليد ذلك طعن فيه ورمى بالزندقة وسب على المنابر ثم عقد له مجلس فأقام الحجة على مادعاه وكتب به إلى علماء الأطراف فأجابوا بما يوافقه ومعرفة الكتابة بعد أميته لا تنافي المعجزة بل هي معجزة أخرى لكونها من غير تعليم ورد بعض الأجلة كتاب الباجي لما في الحديث الصحيح إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب وقال : كل ما ورد في الحديث من قوله : كتب فمعناه أمر بالكتابة كما يقال : كتب السلطان بكذا لفلان وتقديم قوله تعالى : من قبله على قوله سبحانه : ولا تخطه كالصريح في أنه عليه الصلاة و السلام لم يكتب مطلقا وكون القيد المتوسط راجعا لما بعده غير مطرد وظن بعض الأجلة رجوعه إلى ما قبله وما بعده فقال : يفهم من ذلك أنه عليه الصلاة و السلام كان قادرا على التلاوة والخط بعد إنزال الكتاب ولولا هذا الإعتبار لكان الكلام خلوا عن الفائدة وأنت تعلم أنه لو سلم ما ذكره من الرجوع لا يتم أمر الإفادة إلا إذ قيل بحجية المفهوم والظان ممن لا يقول بحجيته ولا يخفى أن قوله عليه الصلاة و السلام : أنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب ليس نصا في إستمرار نفي الكتاب عنه عليه الصلاة و السلام ولعل ذلك بإعتبار أنه بعث عليه الصلاة و السلام وهو كذا وأكثر من بعث إليهم وهو بين ظهرانيهم من العرب أميون لا يكتبون ولا يحسبون فلا يضر عدم بقاء وصف الأمية في الأكثر بعد وأما ما ذكر من تأويل كتب بأمر بالكتابة فخلاف الظاهر وفي شرح صحيح مسلم للنواوي عليه الرحمة نقلا عن القاضي عياض أن قوله في الرواية التي ذكرناها : ولا يحسن يكتب فكتب كالنص في أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كتب بنفسه فالعدول عنه إلى غيره مجاز لا ضرورة إليه ثم قال : وقد طال كلام كل فرقة في هذه المسئلة وشنعت كل فرقة على الأخرى في هذا فالله تعالى أعلم
ورأيت في بعض الكتب ولا أدري الآن أي كتاب هو أنه صلى الله تعالى عليه وسلم لم يكن يقرأ ما يكتب لكن إذا نظر إلى المكتوب عرف ما فيه بإخبار الحروف إياه عليه الصلاة و السلام عن أسمائها فكل حرف يخبره عن نفسه أنه حرف كذا وذلك نظير إخبار الذراع إياه صلى الله تعالى عليه وسلم بأنها مسموعة
وأنت تعلم أن مثل هذا لا يقبل بدون خبر صحيح ولم أظفر به بل هو أي القرآن وهذا إضراب عن إرتيابهم أي ليس القرآن مما يرتاب فيه لوضوح أمره بل هو آيات بينات واضحات ثابتة راسخة في صدور الذين أوتوا العلم من غير أن يلتقط من كتاب يحفظونه بحيث لا يقدر على تحريفه بخلاف