كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 21)
الجواب فكأنه لما قيل : أقيموا على الدين القيم قبل مجيء يوم يتفرقون فيه يتفرقون فيه فقيل : ما للمقيمين على الدين وما على المنحرفين عنه وكيف يتفرقون فأجيب من كفر فعليه كفره الآية وأما قوله سبحانه : ليجزي الذين آمنوا الآية فينبغي أن يكون تعليلا للكل ليفصل ما يترتب على ما لهم وعليهم لكن يتعلق بيمهدون وحده لشدة العناية بشأن الإيمان والعمل الصالح وعدم الأعباء بعمل الكافر ولذلك وضع موضعه إنه لا يحب الكافرين إنتهى فلا تغفل وفي الآية لطيفة نبه عليها الإمام قدس سره وهي أن الله عزوجل عند ما أسند الكفر والإيمان إلى العبيد قدم الكافر وعندما أسند الجزاء إلى نفسه قدم المؤمن لأن قوله تعالى : من كفر وعيد للمكلف ليمتنع عما يضره لينقذه سبحانه من الشر وقوله تعالى : ومن عمل صالحا تحريض له وترغيب في الخير ليوصله إلى الثواب والإنقاذ مقدم عند الحكيم الرحيم وأما عند الجزاء فأبتدأ جل شأنه بالإحسان إظهارا للكرم والرحمة
هذا ولما ذكر سبحانه ظهور الفساد والهلاك بسبب المعاصي ذكر ظهور الصلاح ولم يذكر عزوجل أنه بسبب العمل الصالح لأن الكريم يذكر لعقابه سببا لئلا يتوهم منه الظلم ولا يذكر ذلك لإحسانه فقال عز من قائل : ومن آياته أن يرسل الرياح الجنوب ومهبها من مطلع سهيل إلى مطلع الثريا والصبا ومهبها من مطلع الثريا إلى بنات نعش والشمال ومهبها من بنات نعش إلى مسقط النسر الطائر فإنها رياح الرحمة وأما الدبور ومهبها من مسقط النسر الطائر إلى مطلع سهيل فريح العذاب وذكر أن الثلاثة الأول تلقح السحاب الماطر وتجمعه فلذا كانت رحمة وعن أبي عبيدة الشمال عند العرب للروح والجنوب للأمطار والأنداء والصبا لإلقاح الأشجار والدبور للبلاء وأهونه أن تثير غبارا عاصفا يقذى العين وهي أقلهن هبوبا وروى الطبراني والبيهقي في سننه عن إبن عباس من حديث ذكر فيه ما كان يفعله ويقوله إذا هاجت ريح : اللهم أجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا وهو مبني على أن الرياح للرحمة والريح للعذاب وفي النهاية العرب تقول : لا تلقح السحاب إلا من رياح مختلفة فكأنه قال صلى الله تعالى عليه وسلم اللهم أجعلها لقاحا للسحاب ولا تجعلها عذابا ثم قال : وتحقيق ذلك مجيء الجمع في آيات الرحمة والواحد شديرغننب كالريح العقيم وريحا صرصرا وقال بعضهم : أن ذاك لأن الريح إذا كانت واحدة جاءت من جهة واحدة فصدمت جسم الحيوان والنبات من جهة واحدة فتؤثر فيه أثرا أكثر من حاجته فتضره ويتضرر الجانب المقابل لعكس ممرها ويفوته حظه من الهواء فيكون داعيا إلى فساده بخلاف ما إذا كانت رياحا فإنها تعم جوانب الجسم فيأخذ كل جانب حظه فيحدث الإعتدال وأنت تعلم أنه قد تفرد الريح حيث لا عذاب كما في قوله تعالى : وجرين بهم بريح طيبة وقوله سبحانه : ولسليمان الريح والحديث مختلف فيه فرمز السيوطي لحسنه وقال الحافظ الهيثمي : في سنده حسين بن قيس وهو متروك وبقية رجاله رجال الصحيح ورواه إبن عدي في الكامل من هذا الوجه وأعله بحسين المذكور ونقل تضعيفه عن أحمد والنسائي نعم أن الحافظ عزاه في الفتح لأبي يعلى وحده عن أنس رفعه وقال إسناده صحيح فليحفظ ذلك
وقرأ إبن كثير والكسائي والأعمش الريح مفردا على إرادة معنى الجمع ولذا قال سبحانه : مبشرات أي بالمطر وليذيقكم من رحمته يعني المنافع التابعة لها كتذرية الحبوب وتخفيف العفونة وسقي الأشجار إلى غير ذلك من اللطف والنعم وقيل : الخصب التابع لنزول المطر المسبب عنها أو الروح الذي هو مع هبوبها ولا وجه للتخصيص والواو للعطف والعطف على علة محذوفة دل عليها مبشرات أي ليبشركم وليذيقكم أو على