كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 21)

من قوله سبحانه : ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم الآية لدلالته على أنه عزوجل ينتقم من المكذبين برسول الله وينصر متابعيه فذكر فيه من البينات ما أجمل هنالك مما يدل على القدرة والحكمة والرحمة وأختير من الأدلة ما يجمع الثلاثة وفيه ما يرشد إلى تحقيق طرفي الإيمان أعني المبدأ والمعاد وصرح بكفرانهم بالنعمة وذمهم في الحالات الثلاث لأن ذلك مما يعرفه أهل الفطرة السليمة ويتخلق به وأدمج فيه دلالته على المعاد بقوله تعالى : فأنظر إلى آثار رحمة الله ولما فرغ من حديث ذمهم بنى على هذا المدمج وما دل عليه سياق الكلام من تماديهم في الضلالة مثل هذه البينات التي لا أتم منها في الدلالة فقال سبحانه : فإنك لا تسمع إلى قوله تعالى : فهم مسلمون وفيه أنهم إذا لا محالة من الذين ينتقم منهم وأنك وأشياعك من المنصورين والله تعالى أعلم فتأمله مع ما ذكرنا
وقد تقدم الكلام في هذه الجملة خالية عن الفاء في سورة النمل وكذا في قوله تعالى : ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين 25 وما أنت بهاد العمى عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون 35 بيد أنا نذكر هنا ما ذكره الأجلة في سماع الموتى وفاء بما وعدنا هنالك فنقول ومن الله تعالى التوفيق : نقل عن العلامة إبن الهمام أنه قال : أكثر مشايخنا على أن الميت لا يسمع إستدلالا بقوله تعالى : إنك لا تسمع الموتى ونحوها يعني من قوله تعالى : وما أنت بمسمع من في القبور ولذا لم يقولوا يتلقين القبر وقالوا : لو حلف لا يكلم فلانا فكلمه ميتا لا يحنث وحكى السفاريني في البحور الزاخرة أن عائشة ذهبت إلى نفي سماع الموتى ووافقها طائفة من العلماء على ذلك ورجحه القاضي أبو يعلى من أكابر أصحابنايعني الحنابلةفي كتابه الجامع الكبير وأحتجوا بقوله تعالى : إنك لا تسمع الموتى ونحوه وذهبت طوائف من أهل العلم إلى سماعهم في الجملة
وقال إبن عبدالبر : إن الأكثرين على ذلك وهو إختيار إبن جرير والطبري وكذا ذكر إبن قتيبة وغيره وأحتجوا بما في الصحيحين عن أنس عن أبي طلحة رضي الله تعالى عنهما قال : لما كان يوم بدر وظهر عليهميعني مشركي قريشرسول الله امر ببضعة وعشرين رجلا وفي رواية أربع وعشرين رجلا من صناديد قريش فألقوا في طوى أي بئر من أطواء بدر وأن رسول الله ناداهم ياأبا جهل بن هشام ياأمية بن خلف ياعتبة بن ربيعة أليس قد وجدتم ما وعد ربكم حقا فإني قد وجدت ما وعد ربي حقا فقال عمر رضي الله تعالى عنه : يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا أرواح لها فقال : والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم زاد في رواية لمسلم عن أنس ولكنهم لا يقدرون أن يجيبوا وبما أخرجه أبو الشيخ من مرسل عبيد بن مرزوق قال : كانت أمرأة بالمدينة تقم المسجد فماتت فلم يعلم بها النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فمر على قبرها فقال عليه الصلاة و السلام : ما هذا القبر فقالوا : أم محجن قال : التي كانت تقم المسجد قالوا : نعم فصف الناس فصلى عليها فقال : أي العمل وجدت أفضل قالوا يا رسول الله أتسمع قال : ما أنتم بأسمع منها فذكر عليه الصلاة و السلام أنها أجابته قم المسجد وبما رواه البيهقي والحاكم وصححه وغيرهما عن أبي هريرة أن النبي وقف على مصعب بن عمير وعلى أصحابه حين رجع من أحد فقال : أشهد أنكم أحياء عند الله تعالى فزوروهم وسلموا عليهم فوالذي نفسي بيده لا يسلم عليهم أحد إلا ردوا عليه إلى يوم القيامة وبما أخرج إبن عبدالبر وقال عبدالحق الأشبيلي إسناده صحيح عن إبن عباس مرفوعا ما من أحد يمر بقبر أخيه المؤمن

الصفحة 55