كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 21)
كان يعرفه في الدنيا يسلم عليه إلا عرفه ورد عليه وبما أخرج إبن أبي الدنيا عن عبدالرحمن بن أبي ليلى قال : الروح بيد ملك يمشي به مع الجنازة يقول له : أتسمع ما يقال لك فإذا بلغ حفرته دفنه معه وبما في الصحيحين من قوله : إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم وأجابوا عن الآية فقال السهيلي : إنها كقوله تعالى : أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمى أي إن الله تعالى هو الذي يسمع ويهدي
وقال بعض الأجلة : إن معناها لا تسمعهم إلا أن يشاء الله تعالى او لا تسمعهم سماعا ينفعهم وقد ينفي الشيء لإنتفاء فائدته وثمرته كما في قوله تعالى : ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها الآية وهذا التأويل يجوز أن يعتبر في قوله تعالى : ولا تسمع الصم ويكون نكتة العدول عنفإنك لا تسمع الموتى ولا الصمإلى ما في النظم الجليل العناية بنفي الإسماع ويجوز أن لا يعتبر فيه ويبقى الكلام على ظاهره ويكون نكتة العدول الإشارة إلى أن لا تسمع في كل من الجملتين بمعنى
وقال الذاهبون إلى عدم سماعهم : الأصل عدم التأويل والتمسك بالظاهر إلى أن يتحقق ما يقتضي خلافه وأجابوا عن كثير مما أستدل به الآخرون فقال بعضهم : إن ما وقع في حديث أبي طلحة رضي الله تعالى عنه يجوز أن يكون معجزة له صلى الله تعالى عليه وسلم وهو مراد من قال : إنه من خصوصياته عليه الصلاة و السلام وهي من خوارق العادة والكلام في موافقها وهو الذي نفى في آية إنك لا تسمع الموتى ونحوها وفي قوله عليه الصلاة و السلام : ما أنتم بأسمع لما أقول منهم دون ما أنتم بأسمع لما يقال ونحوه منهم تأييد ما لذلك وحديث أبي الشيخ مرسل وحكم الإستدلال به معروف على أن إحتمال الخصوصية قائم فيه أيضا : وفي صحيح البخاري قال قتادة : أحياهم الله تعالى يعني أهل الطوى حتى أسمعهم قوله صلى الله تعالى عليه وسلم توبيخا وتصغيرا ونقمة وحسرة وندما ويؤيد ما أخرج البخاري ومسلم والنسائي وإبن أبي حاتم وإبن مردويه عن إبن عمر قال : وقف النبي صلى الله تعالى عليه وسلم على قليب بدر فقال : هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا ثم قال عليه الصلاة و السلام : إنهم الآن يسمعون ما أقول حيث قيد صلى الله تعالى عليه وسلم سماعهم بالآن وإذا قلنا بأن الميت يسئل سبعة أيام في قبره مؤمنا كان أو منافقا أو كافرا وأنه حين السؤال تعاد إليه روحه كان لك أن تقول : يجوز أن يكون خطاب أهل القليب حين إعادة أرواحهم إلى أبدانهم للسؤال فإنه كما في حديث أخرجه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داؤد والترمذي والنسائي كان في اليوم الثالث من قتلهم ويحتمل أن يكون خطابه صلى الله تعالى عليه وسلم لأم محجن كان وقت السؤال بأن يكون ذلك قبل مضي سبعة أيام عليها وعليه لا يكون سماعهم من المتنازع فيه لأنهم حين سمعوا إحياء لا موتى ويرد على هذا أن عمر رضي الله تعالى عنه قال له عليه الصلاة و السلام : ما تكلم من أجساد لا أرواح لها ولم ينكر ذلك عليه صلى الله تعالى عليه وسلم بل قال عليه الصلاة و السلام له : ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولو كان الأمر كما قال قتادة لكان الظاهر أن يقول صلى الله تعالى عليه وسلم له رضي الله تعالى عنه : ليس الأمر كما تقول أن الله عزوجل أحياهم لي أو نحو ذلك وعائشة رضي الله تعالى عنها أنكرت ما وقع في الحديث مما أستدل به على المقصود ففي صحيح البخاري عن هشام عن أبيه قال : ذكر عند عائشة أن إبن عمر رفع إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه فقالت :