كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 21)

وهل إبن عمر إنما قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : إنه ليعذب بخطيئته وذنبه وإن أهله ليبكون عليه الآن قالت : وذلك مثل قوله : إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قام على القليب وفيه قتلى بدر من المشركين فقال لهم ما قال إنهم ليسمعون ما أقول إنما قال : إنهم الآن ليعلمون أن ما كنت أقول لهم حق ثم قرأت إنك لا تسمع الموتى وما أنت بمسمع من في القبور وتعقب ذلك السهيلي فقال : عائشة رضي الله تعالى عنها لم تحضر قول النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فغيرها ممن حضر أحفظ للفظه عليه الصلاة و السلام وقد قالوا له : يا رسول الله أتخاطب قوما قد جيفوا فقال ما أنتم بأسمع لما أقول منهم قالوا : وإذا جاز أن يكونوا في تلك الحالة عالمين يعني كما تقول عائشة جاز أن يكونوا سامعين وهو كلام قوي ولا يقدح عدم حضورها في روايتها لأنه مرسل صحابي وهو محمول على أنه سمع ذلك ممن حضره أو من النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ولو كان ذلك قادحا في روايتها لقدح في رواية إبن عمر السابقة فإنه لم يحضر أيضا ولا مانع من أن يكون النبي عليه الصلاة و السلام قال اللفظين جميعا فإنه كما علم من كلام السهيلي لا تعارض بينهما وقال بعضهم فيما رواه البيهقي والحاكم وصححه وغيرهما : أنا لا نسلم صحته وتصحيح الحاكم محكوم عليه بعدم الإعتبار وإن سلمنا صحته نلتزم القول بأن الموتى الذين لا يسمعون هم من عدا الشهداء أما الشهداء فيسمعون في الجملة لإمتيازهم على سائر الموتى بما أخبر عنهم من أنهم أحياء عند الله عزوجل وقيل في حديث إبن عبدالبر : إن عبدالحق وإن قال إسناده صحيح إلا أن الحافظ إبن رجب تعقبه وقال : إنه ضعيف بل منكر وفي حديث إبن أبي الدنيا إنه على تسليم صحته لا يثبت المطلوب لأن خطاب الملك عليه السلام للروح الذي بيده وهو ليس بميت وفي حديث الصحيحين من سماع العبد قرع نعال أصحابه إذا دفنوه وأنصرفوا عنه إنه إذ ذاك تعود إليه روحه للسؤال فيسمع وهو حي والجمهور على عود الروح إلى الجسد أو بعضه وقت السؤال على وجه لا يحس به أهل الدنيا إلا من شاء الله تعالى منهم ووراء ذلك مذاهب فمذهب إبن جرير وجماعة من الكرامية أن السؤال في القبر على البدن فقط وأن الله تعالى يخلق فيه إدراكا بحيث يسمع ويعلم ويلذ ويألم وعلى هذا المذهب يمكن أن يقال نحو ما قيل على الأول ومذهب إبن حزم وإبن ميسرة أنه على الروح فقط ومذهب أبي الهذيل وإتباعه أن الميت لا يشعر بشيء أصلا إلا بين النفختين والحق أن الموتى يسمعون في الجملة وهذا على أحد وجهين أولهما أن يخلق الله عزوجل في بعض أجزاء الميت قوة يسمع بها متى شاء الله تعالى السلام ونحوه مما يشاء الله سبحانه سماعه إياه ولا يمنع من ذلك كونه تحت أطباق الثرى وقد أنحلت منه هاتيك البنية وأنفصمت العرى ولا يكاد يتوقف في قبول ذلك من يجوز أن يرى أعمى الصين بقة أندلس وثانيهما أن يكون ذلك السماع للروح بلا وساطة قوة في البدن ولا يمتنع أن تسمع بل أن تحس وتدرك مطلقا بعد مفارقتها البدن بدون وساطة قوى فيه وحيث كان لها على الصحيح تعلق لا يعلم حقيقته وكيفيته إلا الله عزوجل بالبدن كله أو بعضه بعد الموت وهو غير التعلق بالبدن الذي كان لها قبله أجرى الله سبحانه عادته بتمكينها من السمع وخلقه لها عند زيارة القبر وكذا عند حمل البدن إليه وعند الغسل مثلا ولا يلزم من وجود ذلك التعلق والقول بوجود قوة السمع ونحوه فيها نفسها أن تسمع كل مسموع لما أن السماع مطلقا وكذا سائر

الصفحة 57