كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 21)
الإحساسات ليس إلا تابعا للمشيئة فما شاء الله تعالى كان وما لم يشأ لم يكن فيقتصر على القول بسماع ما ورد السمع بسماعه من السلام ونحوه وهذا الوجه هو الذي يترجح عندي ولا يلزم عليه إلتزام القول بأن أرواح الموتى مطلقا في أفنية القبور لما أن مدار السماع عليه مشيئة الله تعالى والتعلق الذي لا يعلم كيفيته وحقيقته إلا هو عزوجل فلتكن الروح حيث شاءت أو لا تكن في مكان هو رأى من يقول بتجردها
ويؤخذ من كلام ذكره العارف إبن برجان في شرح أسماء الله الحسنى تحقيق على وجه آخر وهو أن للشخص نفسا مبرأة من باطن ما خلق منه الجسم وهي روح الجسم وروحا أوجدها الله تبارك وتعالى من باطن ما برأ منه النفس وهي للنفس بمنزلة النفس للجسم فالنفس حجابها وبعد المفارقة في العبد المؤمن تجعل الحقيقة الروحانية عامرة العلو من السماء الدنيا إلى السماء السابعة بل إلى حيث شاء الله تعالى من العلو في سرور ونعيم وتجعل الحقيقة النفسانية عامرة السفل من قبره إلى حيث شاء الله الله تعالى من الجو ولذلك لقى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم موسى قائما يصلي في قبره وإبراهيم عليه السلام تحت الشجرة قبل صعوده عليه الصلاة و السلام إلى السماء ولقيهما عليهما السلام بعد الصعود في السموات العلا فتلك أرواحهما وهذه نفوسهما وأجسادهما في قبورهما وكذا يقال في الكافر إلا أن الحقيقة الروحانية له لا تكون عامرة العلو فلا تفتح لهم أبواب السماء بل تكون عامرة دار شقائها والعياذ بالله تعالى وبين الحقيقتين إتصال وبوساطة ذلك ومشيئته عزوجل يسمع من سلم عليه في قبره السلام ولا يختص السماع في السلام عند الزيارة ليلة الجمعة ويمها وبكرة السبت أو يوم الجمعة ويوما قبلها ويوما بعدها بل يكون ذلك في السلام عند الزيارة مطلقا فالميت يسمع الله تعالى روحه السلام عليه من زائره في أي وقت كان ويقدره سبحانه وما أخرجه العقيلي من أنهم يسمعون السلام ولا يستطيعون رده محمول على نفي إستطاعة الرد على الوجه المعهود الذي يسمعه الأحياء وقيل : رد السلام وعدمه مما يختلف بإختلاف الأشخاص فرب شخص يقدره الله تعالى على الرد لا يثاب عليه لإنقطاع العمل وشخص آخر لا يقدره عزوجل وعندي أن التعلق أيضا مما يتفاوت قوة وضعفا بحسب الأشخاص بل وبحسب الأزمان أيضا وبذلك يجمع بين الأخبار والآثار المختلفة
وأما الجواب عن الآية التي الكلام فيها ونحوها مما يدل بظاهره على نفي السماع فيعلم مما تقدم فليفهم والله تعالى أعلم الله الذي خلقكم من ضعف مبتدأ وخبر أي ابتدأكم ضعفاء وجعل الضعف أساس أمركم كقوله تعالى : و خلق الإنسان ضعيفا فمن إبتدائية وفي الضعف إستعارة مكنية حيث شبه بالأساس والمادة وفي إدخال من عليه تخييل ويجوز أن يراد من الضعف الضعيف بإطلاق المصدر على الوصف مبالغة أو بتأويله به أو يراد من ذي ضعف والمراد بذلك النطفة أي الله تعالى الذي أبتدأ خلقكم من أصل ضعيف وهو النطفة كقوله تعالى : من ماء مهين وهذا التفسير وإن كان مأثورا عن قتادة إلا أن الأول أولى وأنسب بقوله تعالى : ثم جعل من بعد ضعف قوة وذلك عند بلوغكم الحلم أو تعلق الروح بإبدانكم ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة إذا أخد منكم السن والمراد بالضعف هنا إبتدأوه ولذا أخر الشيب عنه أو الأعم فقوله سبحانه : شيبة للبيان أو للجمع بين تغيير قواهم وظواهرهم وفتح عاصم وحمزة ضاد ضعف في الجمع وهي قراءة عبدالله : وأبي رجاء