كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 21)

وجوز أن تكون عاطفة والتعقيب ذكرى أو تعليلية ولكنكم كنتم لا تعلمون 65 أنه حق لتفريطكم في النظر فتستعجلون به إستهزاء وقيل : لا تعلمون البعث ولا تعترفون به فلذا صار مصيركم إلى النار
وقرأ الحسن البعث بفتح العين فهما وقريء بكسرهما وهو أسم والمفتوح مصدر وفي الآية من الدلالة على فضل العلماء ما لا يخفى فيومئذ أي يوم إذ يقع ذلك من أقسام الكفار وقول أولى العلم لهم لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم أي عذرهم
وقرأ الأكثر تنفع بالتاء محافظة على ظاهر الأمر للفظ وإن توسط بينهما فاصل ؤلا هم يستعتبون 75 الإستعتاب طلب العتبى وهي الأسم من الإعتاب بمعنى إزالة العتب كالعطاء والإستعطاء أي لا يطلب منهم إزالة عتب الله تعالى والمراد به غضبه سبحانه عليهم بالتوبة والطاعة فإنه قد حق عليهم العذاب وإن شئت قلت : أي لا يقال لهم أرضوا ربكم بتوبة وطاعة كما كان يقال لهم ذلك في الدنيا وقيل : اي لا يستقيلون فيستقالون بردهم إلى الدنيا
وقال إبن عطية : هذا إخبار عن هول يوم القيامة وشدة أحواله على الكفرة بأنهم لا ينفعهم الإعتذار ولا يعطون عتبى وهي الرضا و يستعتبون بمعنى يعتبون كما تقول يملك ويستملك والباب في أستفعل أنه طلب الشيء وليس هذا منه لأن المعنى يفسد إذا كان المفهوم منه ولا يطلب منهم عتبى إنتهى فجعل أستفعل بمعنى فعل
وحاصل المعنى عليه على ما في البحر هم من الإهمال وعدم الإلتفات إليهم بمنزلة من لا يؤهل للعتب وقيل : المعنى عليه هم لا يعاتبون على سيآتهم بل يعاقبون وما ذكرناه أولا هو الذي ينبغي أن يعول عليه وياليت شعري أين ما أدعاه إبن عطية من الفساد إذا كان المفهوم منه لا يطلب منهم عتبى على ما سمعت
ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل أي وبالله تعالى لقد وصفنا للناس من كل صفة كأنها مثل في غرابتها وقصصنا عليهم كل صفة عجيبة الشأن كصفة المبعوثين يوم القيامة وما يقولون وما يقال لهم وما لا ينفع من إعتذارهم ولا يسمع من إستعتابهم فضرب المثل إتخاذه وصنعه من ضرب الخاتم واللبن
والمثل مجاز عن الصفة الغريبة والمراد بهذا القرآن إما هذه السورة الجليلة الشأن أو المجموع وهو الظاهر و من تبعيضية وجوزت الزيادة وقيل : المعنى وبالله تعالى لقد بينا للناس من كل مثل ينبؤهم عن التوحيد والبعث وصدق الرسول عليه الصلاة و السلام فضرب بمعنى بين والمثل على أصله وقيل : بمعنى الدليل العجيب والقرآن بمعنى المجموع ولئن جئتهم بآية أي مع ضربنا لهم من كل مثل في هذا القرآن الجليل الشأن لئن جئتهم بآية من آياته ليقولن الذين كفروا لفرط عتوهم وعنادهم وقساوة قلوبهم مخاطبين لك وللمؤمنين إن أنتم إلا مبطلون 85 أي مزورون وجوز حمل الآية على المعجزة أي لئن جئتهم بمعجزة من المعجزات التي أقترحوها ليقولن الذين كفروا إلخ والإتيان بالموصول دون الضمير لبيان السبب الحامل على القول المذكور وإذا أريد بالناس ما يعم الكفرة وغيرهم فوجه الإظهار ظاهر وتوحيد الخطاب في جئتهم على ما يقتضيه الظاهر وأما جمعه في قولهم : إن أنتم فلئلا يبقى بزعمهم له عليه الصلاة

الصفحة 61