كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 21)
والسلام شاهد من المؤمنين حيث جعلوا الكل مدعين وقال الإمام : في توحيد الخطاب في جئتهم وجمعه في أنتم لطيفة وهي أن الله تعالى قال : إن جئتهم بكل آية جاءت بها الرسل عليهم السلام ويمكن أن يجاء بها يقولوا : أنتم كلكم أيها المدعون للرسالة مبطلون إنتهى ولا يخفى أن ما ذكرناه أحسن والطف كذلك أي مثل ذلك الطبع الفظيع وجوز أن يكون المعنى مثل ذلك القول يطبع أي يختم الله الذي جلت عظمته وعظمت قدرته على قلوب الذين لا يعلمون 95 أي لا يطلبون العلم ولا يتحرون الحق بل يصرون على خرافات إعتقدوها وترهات إبتدعوها فإن الجهل المركب يمنع إدراك الحق ويوجب تكذيب المحق ومن هنا قالوا : هو شر من الجهل البسيط وما ألطف ما قيل : قال حمار الحكيم توما لو أنصفوني لكنت أركب لأنني جاهل بسيط وصاحبي جاهل مركب وإطلاق العلم على الطلب مجاز لما أنه لازم له عادة وقيل : المعنى يطبع الله تعالى على قلوب الذين ليسوا من أولى العلم وليس بذاك والمراد من الذين لا يعلمون يحتمل أن يكون الذين كفروا فيكون قد وضع الموصول موضع ضميرهم للنعي بما في حيز الصلة ويحتمل أن يكون عاما ويدخل فيه أولئك دخولا أوليا
وظاهر كلام بعض الأجلة يميل إلى الإحتمال الأول وقد تقدم الكلام في طبعه وختمه عزوجل على القلب
فأصبر أي إذا علمت حالهم وطبع الله تعالى على قلوبهم فأصبر على مكارههم من الأقوال الباطلة والأفعال السيئة إن وعد الله حق وقد وعدك عزوجل بالنصرة وإظهار الدين وإعلاء كلمة الحق ولا بد من إنجازه والوفاء به لا محالة ولا يستخفنك لا يحملنك على الخفة والقلق الذين لا يوقنون 06 بما تتلو عليهم من الآيات البينة بتكذيبهم إياها وإيذائهم لك بأباطيلهم التي من جملتها قولهم : إن أنتم إلا مبطلون فإنهم شاكون ضالون ولا يستبدع أمثال ذلك منهم وقيل : أي لا يوقنون بأن وعد الله حق وهو كما ترى والحمل وإن كان لغيره صلى الله تعالى عليه وسلم لكن النهي راجع إليه عليه الصلاة و السلام فهو من باب لا أرينك ههنا وقد مر تحقيقه فكأنه قيل : لا تخف لهم جزعا وفي الآية من إرشاده تعالى لنبيه صلى الله تعالى عليه وسلم وتعليمه سبحانه له كيف يتلقى المكاره بصدر رحيب ما لا يخفى
وقرأ إبن أبي إسحاق ويعقوب ولا يستحقنك بحاء مهملة وقاف من الإستحقاق والمعنى لا يفتننك الذين لا يوقنون ويكونوا أحق بك من المؤمنين على أنه مجاز عن ذلك لأن من فتن أحدا إستماله إليه حتى يكون أحق به من غيره والنهي على هذه القراءة راجع إلى أمته عليه الصلاة و السلام دونه صلى الله تعالى عليه وسلم لمكان العصمة وقد تقدم نظائر ذلك وما للعلماء من الكلام فيها
وقرأ الجمهور بتشديد النون وخففها إبن أبي عبلة ويعقوب ومن لطيف ما يروى ما أخرجه إبن أبي شيبة وإبن جرير وإبن المنذر وإبن أبي حاتم والحاكم والبيهقي في سننه عن علي كرم الله تعالى وجهه أن رجلا من الخوارج ناداه وهو في صلاة الفجر فقال : ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين فأجابه كرم الله تعالى وجهه وهو في الصلاة فأصبر إن وعد الله