كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 21)

حق لا يستخفنك الذين لا يوقنون ولا بدع في هذا الجواب من باب مدينة العلم وأخى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم هذا
ومن باب الإشارة في الآيات ألم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون إلى آخره قيل : الألف إشارة إلى ألفة طبع المؤمنين واللام إلى لؤم طبع الكافرين والميم إلى مغفرة رب العالمين جل شأنه والروم إشارة إلى القلب وفارس المشار إليهم بالضمير النائب عن الفاعل إشارة إلى النفس والمؤمنون إشارة إلى الروح والسر والعقل ففي الآية إشارة إلى أن حال أهل الطلب يتغير بتغير الأوقات فيغلب فارس النفس روم القلب تارة ويغلب روم القلب فارس النفس بتأييد الله تعالى ونصره سبحانه تارة أخرى وذلك في بضع سنين من أيام الطلب ويومئذ يفرح المؤمنون الروح والسر والعقل وعلى هذا المنهاج سلك النيسابوري : يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا فيه إشارة إلى حال المحجوبين ووقوفهم على ظواهر الأشياء وما من شيء إلا له ظاهر وهو ما تدركه الحواس الظاهرة منه وباطن وهو ما يدركه العقل بإحدى طرق الإدراك من وجوه الحكمة فيه ومنه ما هو وراء طور العقل وهو ما يحصل بواسطة الفيض الألهي وتهذيب النفس أتم تهذيب وهو وإن لم يكن من مستنبطات العقل إلا أن العقل يقبله وليس معنى أنه ما وراء طور العقل يحيله ولا يقبله كما يتوهم ومما ذكرنا يعلم أن الباطن لا يجب أن يتوصل إليه بالظاهر بل قد يحصل لا بواسطته وذلك أعلى قدرا من حصوله بها فقول من يقول : إنه لا يمكن الوصول إلى الباطن إلا بالعبور على الظاهر لا يخلو عن بحث فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون أي يسرون بالسماع في روضة الشهود وذلك غذاء أرواحهم ونعيمها وأعلى أنواع السماع في هذه النشأة عند السادة الصوفية ما يكون من الحضرة الألهية بالأرواح القدسية والأسماع الملكوتية وهذه الأسماع لم يفارقها سماع ألست بربكم وأشتهر عندهم السماع في سماع الأصوات الحسنة وسماع الأشياء المحركة لما غلب عليهم من الأحوال من الخوف والرجاء والحب والتعظيم وذلك كسماع القرآن والوعظ والدف والشبابة والأوتار والمزمار والحداء والنشيد وفي ذلك الممدوح والمذموم وفي قواعد عزالدين عبدالعزيز بن عبدالسلام الكبرى تفصيل الكلام في ذلك على أتم وجه وسنذكر إن شاء الله تعالى قريبا ما يتعلق بذلك والله تعالى هو الموفق للصواب فسبحان الله حين تمسون إلخ فيه إشارة إلى أنه ينبغي إستغراق الأوقات في تنزيه الله سبحانه والثناء عليه جل وعلا بما هو سبحانه وتعالى أهله فإن ذلك روضة هذه النشأة وفي الأثر إن حلق الذكر رياض الجنة يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي فيه إشارة إلى أن الفرع لا يلزم أن يكون كأصله
إنما الورد من الشوك ولا ينبت النرجس إلا من بصل ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها فيه إشارة إلى أن الإشتراك في الجنسية من أسباب الألفة
إن الطيور على أشباهها تقع
كل حزب بما لديهم فرحون فيه إشارة إلى أنه عزوجل لم يكره أحدا على ما هو عليه إن حقا وإن باطلا وإنما وقع التعاشق بين النفوس بحسب إستعدادها وما هي عليه فأعطى سبحانه جلت قدرته كل عاشق معشوقه الذي هام به قلب إستعداده وصار حبه ملء فؤاده وهذا

الصفحة 63