كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 21)
وسبب نزولها على ما في البحر أن قريشا سألت عن قصة لقمان مع إبنه وعن بر والديه فنزلت ووجه مناسبتها لما قبلها على ما فيه أيضا أنه قال تعالى فيما قبل : ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل وأشار إلى ذلك في مفتتح هذه السورة وأنه كان في آخر ما قبلها ولئن جئتهم بآية وفيها وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا وقال الجلال السيوطي : ظهر لي في إتصالها بما قبلها مع المؤاخاة في الإفتتاح بألمإن قوله تعالى : هدى ورحمة للمحسنين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون متعلق بقوله تعالى : فيما قبل : وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث الآية فهذا عين إيقانهم بالآخرة وهم المحسنون الموصوفون بما ذكر وأيضا ففي كلتا السورتين جملة من الآيات وإبتداء الخلق
وذكر في السابقة في روضة يحبرون وقد فسر بالسماع وذكر هنا ومن الناس من يشتري لهو الحديث وقد فسر بالغناء وآلات الملاهي
وسيأتي إن شاء الله تعالى الكلام في ذلك وأقول في الإتصال أيضا : إنه قد ذكر فيما تقدم قوله تعالى : وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وهنا قوله سبحانه : ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة وكلاهما يفيد سهولة البعث وقرر ذلك هنا بقوله عز قائلا : إن الله سميع بصير وذكر سبحانه هناك قوله تعالى : وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه ثم إذا أذاقهم منه رحمة إذا فريق منهم بربهم يشركون وقال عزوجل هنا : وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد فذكر سبحانه في كل من الآيتين قسما لم يذكره في الأخرى إلى غير ذلك
وما ألطف هذا الإتصال من حيث أن السورة الأولى ذكر فيها مغلوبية الروم وغلبتهم المبنيتين على المحاربة بين ملكين عظيمين من ملوك الدنيا تحاربا عليها وخرج بذلك عن مقتضى الحكمة فإن الحكيم لا يحارب على دنيا دنية لا تعدل عند الله تعالى جناح بعوضة وهذه ذكر فيها قصة عبد مملوك على كثير من الأقوال حكيم زاهد في الدنيا غير مكترث بها ولا ملتفت إليها أوصى إبنه بما يأبى المحاربة ويقتضي الصبر والمسالمة وبين الأمرين من التقابل ما لا يخفى
بسم الله الرحمن الرحيم آلم 1 تلك آيات الكتاب الحكيم 2 أي ذي الحكمة ووصف الكتاب بذلك عند بعض المغاربة مجاز لأن الوصف بذلك للتملك وهو لا يملك الحكمة بل يشتمل عليها ويتضمنها فلأجل ذلك وصف بالحكيم بمعنى ذي الحكمة وأستظهر الطيبي أنه على ذلك من الإستعارة المكنية والحق أنه من باب عيشة راضية على حد لإبن وتامر
نعم يجوز أن يكون هناك إستعارة بالكناية أي الناطق بالحكمة كالحي ويجوز أن يكون الحكيم من صفاته عزوجل ووصف الكتاب به من باب الإسناد المجازي فإنه منه سبحانه بدا وقد يوصف الشيء بصفة مبدئه كما في قول الأعشى : وغريبة تأتي الملوك حكيمة قد قلتها ليقال من ذا قالها وأن يكون الأصل الحكيم منزله أو قائله فحذف المضاف إلى الضمير المجرور وأقيم المضاف إليه مقامه