كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 21)
ورحمة والحال من الناس من يشتري إلخ و لهو الحديث على ما روى عن الحسن كل ما شغلك عن عبادة الله تعالى وذكره من السمر والإضاحيك والخرافات والغناء ونحوها والإضافة بمعنى من أن أريد بالحديث المنكر كما في حديث الحديث في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل البهيمة الحشيش بناء على أنها بيانية وتبعيضية أن أريد به ما هو أعم منه بناء على مذهب بعض النحاة كإبن كيسان والسيرافي قالوا : إضافة ما هو جزء من المضاف إليه بمعنى من التبعيضية كما يدل عليه وقوع الفصل بها في كلامهم والذي عليه أكثر المتأخرين وذهب إليه إبن السراج والفارسي وهو الأصح أنها على معنى اللام كما فصله أبو حيان في شرح التسهيل وذكره شارح اللمع
وعن الضحاك أن لهو الحديث الشرك وقيل : السحر وأخرج إبن أبي شيبة وإبن أبي الدنيا وإبن جرير وإبن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي الصهباء قال : سألت عبدالله إبن مسعود عن قوله تعالى : ومن الناس من يشتري لهو الحديث قال : هو والله الغناء وبه فسر كثير والأحسن تفسيره بما يعم كل ذلك كما ذكرناه عن الحسن وهو الذي يقتضيه ما أخرجه البخاري في الأدب المفرد وإبن أبي الدنيا وإبن جرير وإبن أبي حاتم وإبن مردويه والبيهقي في سننه عن إبن عباس أنه قال : لهو الحديث هو الغناء وأشباهه وعلى جميع ذلك يكون الإشتراء إستعارة لإختياره على القرآن وإستبداله به وأخرج إبن عساكر عن مكحول في قوله تعالى : من يشتري لهو الحديث قال الجواري الضاربات
وأخرج آدم وإبن جرير والبيهقي في سننه عن مجاهد أنه قال فيه : هو إشتراؤه المغنى والمغنية والإستماع إليه وإلى مثله من الباطل وفي رواية ذكرها البيهقي في السنن عن إبن مسعود أنه قال : في الآية هو رجل يشتري جارية تغنيه ليلا أو نهارا وأشتهر أن الآية نزلت في النضر بن الحرث ففي رواية جويبر عن إبن عباس أنه أشترى قينة فكان لا يسمع بأحد يريد الإسلام إلا أنطلق به إلى قينته فيقول : آطعميه وأسقيه وغنيه ويقول : هذا خير مما يدعوك إليه محمد صلى الله تعالى عليه وسلم من الصلاة والصيام وأن تقاتل بين يديه فنزلت
وفي أسباب النزول للواحدي عن الكلبي ومقاتل أنه كان يخرج تاجرا إلى فارس فيشتري أخبار الأعاجم وفي بعض الروايات كتب الأعاجم فيرويها ويحدث بها قريشا ويقول لهم : إن محمدا عليه الصلاة و السلام يحدثكم بحديث عاد وثمود وأنا أحدثكم بحديث رستم وأسفنديار وأخبار الأكاسرة فيستملحون حديثه ويتركون إستماع القرآن فنزلت وقيل : إنها نزلت في إبن خطل أشترى جارية تغني بالسب ولا يأبى نزولها فيمن ذكر الجمع في قوله تعالى بعد : أولئك لهم كما لا يخفى عل ىالفطن والإشتراء على أكثر هذه الروايات على حقيقته ويحتاج في بعضها إلى عموم المجاز أو الجمع بين الحقيقة والمجاز كما لا يخفى على من دقق النظر جعل المغنية ونحوها نفس لهو الحديث مبالغة كما جعل النساء في قوله تعالى : زين للناس حب الشهوات من النساء نفس الزينة
وفي البحر إن أريد بلهو الحديث ما يقع عليه الشراء كالجواري المغنيات وككتب الأعاجم فالإشتراء حقيقة ويكون الكلام على حذف مضاف أي من يشتري ذات لهو الحديث
وقال الخفاجي : عليه الرحمة لا حاجة إلى تقدير ذات لأنه لما أشتريت المغنية لغنائها فكأن المشتري هو الغناء نفسه فتدبره وفي الآية عند الأكثرين ذم للغناء بأعلى صوت وقد تضافرت الآثار وكلمات كثير من العلماء الأخيار على ذمه مطلقا لا في مقام دون مقام فأخرج إبن أبي الدنيا والبيهقي في شعبه عن إبن مسعود قال : إذا ركب الرجل الدابة ولم يسم ردفه شيطان فقال : تغنه فإن كان لا يحسن قال : تمنه وأخرجا أيضا عن