كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 21)
الشعبي قال : عن القاسم بن محمد أنه سئل عن الغناء فقال للسائل : أنهاك عنه وأكرهه لك فقال السائل : أحراء هو قال : أنظر ياإبن أخي إذا ميز الله تعالى الحق من الباطل في أيهما يجعل سبحانه الغناء وأخرجا عنه أيضا أنه قال : لعن الله تعالى المغنى والمغنى له وفي السنن عن إبن مسعود قال : قال رسول الله الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل وأخرج عنه نحوه إبن أبي الدنيا ورواه عن أبي هريرة والديلمي عنه وعن أنس وضعفه إبن القطان : وقال النووي لا يصح وقال العراقي : رفعه غير صحيح لأن في إسناده من لم يسم وفيه إشارة إلى أن وقفه على إبن مسعود صحيح وهو في حكم المرفوع إذ مثله لا يقال من قبل الزاي وأخرج إبن أبي الدنيا وإبن مردويه عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال : ما رفع أحد صوته بغناء إلا بعث الله تعالى إليه شيطانين يجلسان على منكبيه يضربان بأعقابهما على صدره حتى يمسك وأخرج إبن أبي الدنيا والبيهقي عن أبي عثمان الليثي قال : قال يزيد بن الوليد الناقص : يابني أمية إياكم والغناء فإنه ينقص الحياء ويزيد في الشهوة ويهدم المرؤة وإنه لينوب عن الخمر ويفعل ما يفعل السكر فإن كنتم لا بد فاعلين فجنبوه النساء فإن الغناء داعية الزنا وقال الضحاك : الغناء منفذة للمال مسخطة للرب مفسدة للقلب وأخرج سعيد بن منصور وأحمد والترمذي وإبن ماجه وإبن جرير وإبن المنذر وإبن أبي حاتم والطبراني وغيرهم عن أبي أمامة عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال : لا تيبعوا القينات ولا تشتروهن ولا تعلموهن ولا خير في تجارة فيهن وثمنهن حرام في مثل هذا أنزلت هذه الآية ومن الناس من يشتري لهو الحديث إلى آخر الآية وفي رواية إبن أبي الدنيا وإبن مردويه عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إن الله تعالى حرم القينة وبيعها وثمنها وتعليمها والإستماع إليها ثم قرأ ومن الناس من يشتري لهو الحديث ويعود هذا ونحوه إلى ذم الغناء
وقيل : الغناء جاسوس القلب وسارق المرؤة والعقول يتغلغل في سويداء القلوب ويطلع على سرائر الأفئدة ويدب إلى بيت التخييل فينشر ما غرز فيها من الهوى والشهوة والسخافة والرعونة فبينما ترى الرجل وعليه سمت الوقار وبهاء العقل وبهجة الإيمان ووقار العلم كلامه حكمة وسكوته عبرة فإذا سمع الغناء نقص عقله وحياؤه وذهبت مرؤته وبهاؤه فيستحسن ما كان قبل السماع ويبدي من أسراره ما كان يكتمه وينتقل من بهاء السكوت والسكون إلى كثرة الكلام والهذيان والإهتزاز كأنه جان وربما صفق بيديه ودق الأرض برجليه وهكذا تفعل الخمر إلى غير ذلك وأختلف العلماء في حكمه فحكى تحريمه عن الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه القاضي أبو الطيب والقرطبي والماوردي والقاضي عياض
وفي التاتار خانية أعلم أن التغني حرام في جميع الأديان وذكر في الزيادات أن الوصية للمغنين والمغنيات مما هو معصية عندنا وعند أهل الكتاب وحكى عن ظهير الدين المرغنياني : أنه قال من قال لمقريء زماننا أحسنت عند قراءته كفر وصاحبا الهداية والذخيرة سمياه كبيرة هذا في التغني للناس في غير الأعياد والأعراس ويدخل فيه تغني صوفية زماننا في المساجد والدعوات بالأشعار والأذكار مع إختلاط أهل الأهواء والمرد بل هذا أشد من كل تغن لأنه مع إعتقاد العبادة وأما التغني وحده بالأشعار لدفع الوحشة أو في الأعياد والأعراس فأختلفوا فيه والصواب منعه مطلقا في هذا الزمان إنتهى
وفي الدر المختار التغني لنفسه لدفع الوحشة لا بأس به عند العامة على ما في العناية وصححه