كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 21)

وعليه تكون الآية دليلا لمن تتبع التوراة ونحوها وروى هذا المنع عن عائشة رضي الله تعالى عنها
أخرج إبن عساكر عن أبي مليكة قال : أهدي عبدالله بن عامر بن ركن إلى عائشة رضي الله تعالى عنها هدية فظنت أنه عبدالله بن عمرو وفردتها وقالت : يتتبع الكتب وقد قال الله تعالى : أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم فقيل لها : إنه عبدالله بن عامر فقبلتها وجاء في عدة أخبار ما يقتضى المنع أخرج عبدالرزاق المصنف والبيهقي في شعب الإيمان عن الزهري أن حفصة جاءت إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بكتاب من قصص يوسف في كتف فجعلت تقرؤه عليه والنبي عليه الصلاة و السلام يتلون وجهه فقال : والذي نفسي بيده لو أتاكم يوسف وأنا بينكم فأتبعتموه وتركتموني ضللتم من النبيين وأنتم حظي من الأمم
وأخرج عبدالرزاق والبيهقي أيضا عن أبي قلابة أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه مر برجل يقرأ كتابا فأستمعه ساعة فأستحسنه فقال للرجل : أكتب لي من هذا الكتاب قال : نعم فاشترى أديما فهيأه ثم جاء به إليه فنسخ له في ظهره وبطنه ثم أتى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فجعل يقرؤه عليه وجعل وجه رسول الله يتلون فضرب رجل من الأنصار الكتاب وقال : ثكلتك أمك ياإبن الخطاب ألا ترى وجه رسول الله منذ اليوم وأنت تقرأ عليه هذا الكتاب فقال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم عند ذلك : إنما بعثت فاتحا وخاتما وأعطيت جوامع الكلم وخواتمه وأختصر لي الحديث إختصارا فلا يهلكنكم المتهوكون اي الواقعون في كل أمر بغير روية وقيل : المتحيرون إلى ذلك من الأخبار وحقق بعضهم أن المنع إنما هو عند خوف فساد في الدين وذلك مما لا شبهة فيه في صدر الإسلام وعليه تحمل الأخبار وقد تقدم الكلام في ذلك فتذكر
قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا أي عالما بما صدر عني من التبليغ والإنذار وبما صدر عنكم من مقابلتي بالتكذيب والإنكار فيجازي سبحانه كلا بما يليق به يعلم ما في السموات والأرض أي من الأمور التي من جملتها شأني وشأنكم فهو تقرير لما قبله من كفايته تعالى شهيدا وجوز أن يكون المعنى كفى به عزوجل شاهدا بصدقي أي مصدقا لي فيما أدعيته بالمعجزات تصديق الشاهد لدعوى المدعي وجملة يعلم إما صفة شهيدا أو حال أو إستئناف لتعليل كفايتة وقيل عليه : إن هذا الوجه لا يلائمه قوله تعالى : بيني وبينكم سواء تعلق بكفى أو بشهيدا ولا قوله سبحانه : يعلم ما في السموات إلخ وفيه تأمل
وقد يؤيد ذلك بما روى أن كعب بن الأشرف وأصحابه قالوا : يامحمد من يشهد بأنك رسول الله فنزلت قل كفى الآية إلا أن في القلب من صحة هذه الرواية شيئا لما أن السياق والسباق مع كفرة قريش فلا تغفل
وأياما كان فلا منافاة بين هذه الآية وقوله تعالى : وأدعوا شهداءكم من دون الله بناء على أن المعنى لا تستشهدوا بالله تعالى ولا تقولوا الله تعالى يشهد أن ما ندعيه حق كما يقوله العاجز عن إقامة البينة أما لأن الشهيد ههنا بمعنى العالم والكلام وعد ووعيد وأما بمعنى المصدق بالمعجزات وليست الشهادة بأحد المعنيين هناك والباء في بالله زائدة والأسم الجليل فاعل كفى وقال الزجاج : إن الباء دخلت لتضمن كفى معنى أكتف فالباء كما قال اللقاني معدية لا زائدة قال إبن هشام في المعنى : وهو من الحسن بمكان ويصححه قولهم : أتقى الله تعالى أمرؤ فعل خيرا يثب عليه أي ليتق بدليل جزم يثب ويوجبه قولهم : كفى بهند بترك التاء

الصفحة 7