كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 21)
ويعدون خلو الجوامع من ذلك من قلة الإكتراث بالدين وأشنع من ذلك ما يفعله أبالسة المتصوفة ومردتهم ثم أنهم قبحهم الله تعالى إذا أعترض عليهم بما أشتمل عليه نشيدهم من الباطل يقولون : نعني بالخمر المحبة الألهية وبالسكر غلبتها وبمية وليلى وسعدى مثلا المحبوب الأعظم وهو الله عزوجل وفي ذلك من سوء الأدب ما فيه ولله الأسماء الحسنى فأدعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه وفي القواعد الكبرى للعز بن عبدالسلام ليس من أدب السماع أن يشبه غلبة المحبة بالسكر من الخمر فإنه سوء الأدب وكذا تشبيه المحبة بالخمر لأن الخمر أم الخبائث فلا يشبه ما أحبه الله تعالى بما أبغضه وقضى بخبثه ونجاسته فإن تشبيه النفيس بالخسيس سوء الأدب بلا شك فيه وكذا التشبيه بالخصر والردف ونحو ذلك من التشبيهات المستقبحات ولقد كره لبعضهم قوله : أنتم روحي ومعلم راحتي ولبعضهم قوله : فأنت السمع والبصر لأنه شبه من لا شبيه له بروحه الخسيسة وسمعه وبصره اللذين لا قدر لهما ثم أنه وإن أباح بعض أقسام السماع حط على من يرقص ويصفق عنده فقال : أما الرقص والتصفيق فخفة ورعونة مشبهة برعونة الإناث لا يفعلها إلا أرعن أو متصنع كذاب وكيف يتأتى الرقص المتزن بأوزان الغناء ممن طاش لبه وذهب قلبه وقد قال عليه الصلاة و السلام : خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ولم يكن أحد من هؤلاء الذين يقتدى بهم يفعل شيئا من ذلك وإنما أستحوذ الشيطان على قوم يظنون أن طربهم عند السماع إنما هو متعلق بالله تعالى شأنه ولقد مانوا فيما قالوا وكذبوا فيما أدعوا من جهة أنهم عند سماع المطربات وجدوا لذتين إحداهما لذة قليل من الأحوال المتعلقة بذي الجلال والثانية لذة الأصوات والنغمات والكلمات الموزونات الموجبات للذات ليست من آثار الدين ولا متعلقة بأموره فلما عظمت عندهم اللذات غلطوا فظنوا أن مجموع ما حصل لهم إنما حصل بسبب حصول ذلك القليل من الأحوال وليس كذلك بل الأغلب عليهم حصول لذات النفوس التي ليست من الدين في شيء وقد حرم بعض العلماء التصفيق لقوله عليه الصلاة و السلام : إنما التصفيق للنساء ولعن رسول الله المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء ومن هاب الإله وأدرك شيئا من تعظيمه لم يتصور منه رقص ولا تصفيق ولا يصدران إلا من جاهل ويدل على جهالة فاعلهما أن الشريعة لم ترد بهما في كتاب ولا سنة ولم يفعل ذلك أحد من الأنبياء ولا معتبر من أتباعهم وإنما يفعل ذلك الجهلة السفهاء الذين التبست عليهم الحقائق بالأهواء وقد قال تعالى : ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء ولقد مضى السلف وأفاضل الخلف ولم يلابسوا شيئا من ذلك فما ذاك إلا غرض من أغراض النفس وليس بقربة إلى الرب جل وعلا وفاعله إن كان ممن يقتدي به ويعتقد أنه ما فعله إلا لكونه قربة فبئس ما صنع لإيهامه أن هذا من الطاعات وإنما هو من أقبح الرعونات وأما الصياح والتغاشي ونحوهما فتصنع ورياء فإن كان ذلك عن حال لا يقتضيهما فأثم الفاعل من جهتين إحداهما إيهامه الحال الثابتة الموجبة لهما والثانية تصنعه ورياؤه وإن كان عن مقتض أثم أثم رياء لا غير وكذلك نتف الشعور وضرب الصدور وتمزيق الثياب محرم لما فيه من إضاعة المال وأي ثمرة لضرب الصدور ونتف الشعور وشق الجيوب إلا رعونات صادرة عن النفوس كلامه ومنه يعلم ما في نقل الأسنوي عنه رحمه الله تعالى أنه كان يرقص في السماع والعلامة إبن حجر قال : يحمل ذلك على مجرد القيام والتحرك لغلبة وجد وشهود وتجل لا يعرفه إلا أهله ومن ثم قال الإمام إسماعيل الحضرمي : موقف الشمس عن قوم يتحركون في السماع هؤلاء