كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 21)

العلماء في دلائل تحريمه ومنها القياس وهو إما أولى أو مساو وقال : العجب كل العجب ممن هو من أهل العلم بزعم أن الشبابة حلال ومنه يعلم ما في قول التاج السبكي في توشيحه لم يقر عندي دليل على تحريم اليراع مع كثرة التتبع والذي أراه الحل فإن أنضم إليه محرم فلكل منهما حكمه ثم الأولى عندي لمن ليس من أهل الذوق الإعراض عنه مطلقا لأن غاية ما فيه حصول لذة نفسانية وهي ليست من المطالب الشرعية وأما أهل الذوق فحالهم مسلم إليهم وهم على حسب ما يجدونه من أنفسهم
وحكى عن العز بن عبدالسلام وإبن دقيق العيد أنهما كانا يسمعان ذلك والظاهر أنه كذب لا أصل له وبذلك جزم بعض الأجلة ولا يبعد حلها إذا صفر فيها كالأطفال والرعاء على غير القانون المعروف من الأطراب
ومنها العود وهو آلة للهو غير الطنبور وأطلقه بعضهم عليه وحكاية النجس إبن طاهر عن الشيخ أبي إسحاق الشيرازي أنه كان يسمع العود من جملة كذبه وتهوره كدعواه إجماع الصحابة والتابعين على إباحة الغناء واللهو ومثله في المجازفة وإرتكاب الأباطيل على الجزم إبن حزم لا الدف فيجوز ضربه من رجل وأمرأة لا من أمرأة فقط خلافا للحليمي وإستماعه لعرس ونكاح وكذا غيرهما من كل سرور في الأصح وبحل ذي الجلاجل منه وهي إما نحو حلق يجعل داخله كدف العرب أو صنوج عراض من صفر تجعل في حروف دائرته كدف العجم جزم جماعة وجزم آخرون بحرمته وبها أقول لأنه كما قال الأذرعي أشد إطرابا من أكثر الملاهي المتفق على تحريمها وبعض المتصوفة ألفوا رسائل في حل الأوتار والمزامير وغيرها من آلات اللهو وأتوا فيها بكذب عجيب على الله تعالى وعلى رسوله وعلى أصحابه رضي الله تعالى عنهم والتابعين والعلماء العاملين وقلدهم في ذلك من لعب به الشيطان وهوى به الهوى إلى هوة الحرمان فهو عن الحق بمعزل وبينه وبين حقيقة التصوف ألف ألف منزل وإذا تحقق لديك قول بعض الكبار بحل شيء من ذلك فلا تغتر به لأنه مخالف لما عليه أئمة المذاهب الأربعة وغيرهم من الأكابر المؤيد بالأدلة القوية التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك ما عدا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ومن رزق عقلا مستقيما وقلبا من الأهواء الفاسدة سليما لا يشك في أن ذلك ليس من الدين وأنه بعيد بمراحل عن مقاصد شريعة سيد المرسلين صلى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وأستدل بعض أهل الإباحة على حل الشبابة بما أخرجه إبن حبان في صحيحه عن نافع عن إبن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه سمع صوت زمارة راع فجعل إصبعيه في أذنيه وعدل عن الطريق وجعل يقول : يانافع أتسمع فأقول نعم فلما قلت : لا رجع إلى الطريق ثم قال : هكذا رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يفعله وأخرجه إبن أبي الدنيا والبيهقي عن نافع أيضا وسئل عنه الحافظ محمد بن نصر السلامي فقال : إنه حديث صحيح ووجه الإستدلال به أنه صلى الله تعالى عليه وسلم لم يأمر إبن عمر وكان عمره إذ ذاك كما قال الحافظ المذكور سبع عشرة سنة بسد أذنيه ولا نهي الفاعل فلو كان ذلك حراما لأمر ونهى عليه الصلاة و السلام وسد أذنيه صلى الله تعالى عليه وسلم يحتمل أن يكون لكونه عليه الصلاة و السلام إذ ذاك في حال ذكر أو فكر وكان السماع يشغله عليه الصلاة و السلام والتحية ويحتمل أن يكون إنما فعله تنزيها وقال الأذرعي : بهذا الحديث أستدل أصحابنا على تحريم المزامير وعليه بنوا التحريم في الشبابة
والحق عندي أنه ليس نصافي حرمتها لأن سد الأذنين عند السماع من باب فعله وليس مما وضح فيه أمر الجبلة ولا ثبت تخصيصه به عليه الصلاة و السلام ولا مما وضح أنه بيان لنص علم جهته من الوجوب

الصفحة 77