كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 21)

أن يقال بالجواز والإباحة فعلا وإستماعا وسد الأذنين عليه لغاية التنزه اللائق به عليه الصلاة و السلام وقول الأذرعي في الجواب أن قوله في الخبر : زمارة راع لا يعين إنها الشبابة فإن الرعاة يضربون بالشعيبية وغيرها يوهم أن ما يسمى شعيبية مباح مفروغ منه وفيه نظر فإنها عبارة عن عدة قصبات صغار ولها إطراب بحسب حذق متعاطيها فهي شبابة أو مزمار لا محالة وفي إباحة ذلك كلام وبعد هذا كله نقول : إن الخبر المذكور رواه أبو داؤد وقال : إنه منكر وعليه لا حجة فيه للطرفين وكفى الله تعالى المؤمنين القتال ثم إنك إذا إبتليت بشيء من ذلك فإياك ثم إياك أن تعتقد أن فعله أو إستماعه قربة كما يعتقد ذلك من لا خلاق له من المتصوفة فلو كان الأمر كما زعموا لما أهمل الأنبياء أن يفعلوه ويأمروا إتباعهم به ولم ينقل ذلك عن أحد من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولا أشار إليه كتاب من الكتب المنزلة من السماء وقد قال الله تعالى : اليوم أكملت لكم دينكم ولو كان إستعمال الملاهي المطربات أو إستماعها من الدين ومما يقرب إلى حضرة رب العالمين لبينه وأوضحه كمال الإيضاح لأمته وقد قال عليه الصلاة و السلام والذي نفسي بيده ما تركت شيئا يقربكم من الجنة ويباعدكم عن النار إلا أمرتكم به وما تركت شيئا يقربكم من النار ويباعدكمم عن الجنة إلا نهيتكم عنه وما ذكر داخل في الشق الثاني كما لا يخفى على من له قلب سليم وعقل مستقيم فتأمل وأنصف وإياك من الإعتراض قبل أن تراجع تعرف ولنا عودة إن شاء الله تعالى للكلام في هذا المطلب يسر الله تعالى ذلك لنا بحرمة حبيبه الأعظم
وأستدل بعضهم بالآية على القول بأن لهو الحديث الكتب التي أشتراها النضر بن الحرث على حرمة مطالعة كتب تواريخ الفرس القديمة وسماع ما فيها وقراءته وفيه بحث ولا يخفى أن فيها من الكذب ما فيها فالإشتغال بها لغير غرض ديني خوض في الباطل وعده إبن نجيم في رسالته في بيان المعاصي من الصغائر ومثل له بذكر تنعم الملوك والأغنياء فأفهم هذا ومن الغريب البعيد وفيه جعل الإشتراء بمعنى البيع ما ذهب إليه صاحب التحرير قال : يظهر لي أنه أراد سبحانه بلهو الحديث ما كانوا يظهرونه من الأحاديث في تقوية دينهم والأمر بالدوام عليه وتغيير صفة الرسول عليه الصلاة و السلام وأن التوراة تدل على أنه من ولد إسحاق عليه السلام يقصدون صد أتباعهم عن الإيمان وأطلق أسم الإشتراك لكونهم يأخذون على ذلك الرشا والجعائل من ملوكهم وقال : يؤيده قوله تعالى : ليضل عن سبيل الله وهو كما ترى والمراد بسبيله تعالى دينه عزوجل أو قراءة كتابه سبحانه أو ما يعمهما واللام في ليضل للتعليل وقرأ إبن كثير وأبو عمرو ليضل بفتح الياء والمراد ليثبت على ضلاله ويزيد فيه فإن المخبر عنه ضال قبل : واللام للعاقبة وكونها على أصلها كما قيل بعيد وجوز الزمخشري أن يكون قد وضع ليضل على هذه القراءة موضع ليضل من قبل أن من أضل كان ضالا لا محالة فدل بالرديف وهو الضلال على المردوف وهو الإضلال ووجه الدلالة أنه أريد بالضلال الضلال المضاعف في شأن من جانب سبيل الله تعالى وتركه رأسا وهذا الضلال لا ينفك عن الإضلال وبالعكس وبه يندفع نظر صاحب الفرائد بأن الضلال لا يلزمه الإضلال وفيه توافق القراءتين وبقاء اللام على حقيقتها وهي على الوجهين متعلقة بقوله سبحانه : يشتري وقوله عزوجل : بغير علم يجوز أن يكون متعلقا به أيضا أي يشتري ذلك بغير علم بحال ما يشتريه أو بالتجارة حيث أستبدل الضلال بالهدى والباطل بالحق ويجوز أن يكون متعلقا بيضل أي ليضل عن سبيله تعالى جاهلا أنها سبيله عزوجل أو جاهلا أنه يضل أو جاهلا الحق ويتخذها

الصفحة 79