كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 21)

فإن أحتج بالفاصل فهو مجوز لا موجب بدليل وما تسقط من ورقة فإن عورض بأحسن بهند فالتاء لا تلحق صيغ الأمر وإن كان معناها الخبر
وتعقب ذلك الشيخ يس الحمصي في حواشيه على التصريح فقال : أقول تفسير كفى على هذا القول بأكتف غير صحيح إذ فاعل كفى حينئذ ضمير المخاطب و كفى حينئذ ضمير المخاطب و كفى ماض وهو لا يرفع ضمير المخاطب المستتر وفيه بعد بحث لا يخفى على المتأمل
وظن بعض الناس أن كفى على هذا القول أسم فعل أمر يخاطب به المفرد المذكر وغيره نحو حي في حي عل ىالصلاة فالمعنى هنا أكتفوا بالله وأنت تعلم أن هذا بعيد الإرادة من كلام الزجاج ويأباه كلام إبن هشام وقال إبن السراج : الفاعل ضمير الإكتفاء قال إبن هشام : وصحة قوله موقوفة على جواز تعلق الجار بضمير المصدر وهو قول الفارسي والرماني أجازوا مروري بزيد حسن وهو بعمرو قبيح وأجاز الكوفيون أعماله في الظرف وغيره ومنع جمهور البصريين أعماله مطلقا
وتعقب ذلك إبن الصائغ فقال : لا نسلم توقف الصحة على ذلك لجواز أن تكون الباء للحال وعليه يكون المعنى كفى هو أي الإكتفاء حال كونه ملتبسا بالله تعالى ولا يخفى أنه ما لم يبطل هذا القول لا يتم ما أدعاه إبن هشام من أن ترك التاء في كفى بهند يوجب كون كفى مضمنا معنى أكتف فتدبر والذين آمنوا بالباطل قال إبن عباس رضي الله تعالى عنهما : أي بغير الله عزوجل وهو شامل لنحو عيسى والملائكة عليهم السلام
والباطل في الحقيقة عبادتهم وليس الباطل هنا مثله في قول حسان : الأ كل شيء مما خلا الله باطل وقال مقاتل : أي بعبادة الشيطان وقيل : أي بالصنم وكفروا بالله مع تعاضد موجبات الإيمان به عزوجل أولئك هم الخاسرون 25 المغبونون في صفقتهم حيث أشتروا الكفر بالإيمان فأستوجبوا العقاب يوم الحساب وفي الكلام على ما قيل : إستعارة مكنية شبه إستبدال الكفر بالإيمان المستلزم للعقاب بإشتراء مستلزم للخسران وفي الخسران إستعارة تخييلية هي قرينتها لأن الخسران متعارف في التجارات وهذا الكلام ورد مورد الإنصاف حيث لم يصرح بأنهم المؤمنون بالباطل الكافرون بالله عزوجل بل أبرزه في معرض العموم ليهجم به التأمل على المطلوب فهو كقوله تعالى : أنا أوإياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين وكقول حسان :
فشركما لخيركما الفداء
وهذا من قبيل المجادلة بالتي هي أحسن ويستعجلونك أي ويستعجلك كفار قريش بالعذاب على طريقة الإستهزاء والتعجيز والتكذيب به بقولهم : متى هذا الوعد وقولهم : أمطر علينا حجارة أو إئتنا بعذاب ونحو ذلك ولولا أجل مسمى قد ضربه الله تعالى لعذابهم وسماه وأثبته في اللوح لجاءهم العذاب المعين لهم حسبما أستعجلوا به وقال إبن جبير : المراد بالأجل يوم القيامة لما روى أنه تعالى وعد رسوله أن لا يعذب قومه بعذاب الإستئصال وأن يؤخر عذابهم إلى يوم القيامة وقال إبن سلام : المراد به أجل ما بين النفختين وقيل : يوم بدر وقيل : وقت فنائهم بآجالهم وفيه بعد ظاهر لما أنهم ما كانوا يوعدون بفنائهم الطبيعي ولا كانوا يستعجلون به وليأتينهم جملة مستأنفة مبينة لما أشير إليه في الجملة السابقة من مجيء العذاب عند حلول الأجل أي وبالله تعالى ليأتينهم العذاب الذي عين لهم عند حلول الأجل بغتة

الصفحة 8