كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 21)
و جنات النعيم مرتفعا به على الفاعلية وقوله تعالى : خالدين فيها حال من الضمير المجرور أو المستتر في لهم بناء على أنه خبر مقدم أو من جنات بناء على أنه فاعل الظرف لإعتماده بوقوعه خبرا والعامل ما تعلق به اللام
وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما خالدون بالواو وهو بتقدير هو وعد الله مصدر مؤكد لنفسه أي لما هو كنفسه وهي الجملة الصريحة في معناه أعني قوله تعالى : لهم جنات النعيم فإنه صريح في الوعد
وقوله تعالى : حقا مصدر مؤكد لتلك الجملة أيضا إلا أنه يعد مؤكدا لغيره إذ ليس كل وعد حقا في نفسه
وجوز أن يكون مؤكدا لوعد الله المؤكد وأن يكون مؤكدا لتلك الجملة معدودا من المؤكد لنفسه بناء على دلالتها على التحقيق والثبات من أوجه عدة وهو بعيد وفي الكشف لا يصح ذلك لأن الأخبار المؤكدة لا تخرج عن إحتمال البطلان فتأمل وهو العزيز الذي لا يغلبه شيء ليمنع من إنجاز وعده وتحقيق وعيده الحكيم 9 الذي لا يفعل إلا ما تقتضيه الحكمة والمصلحة ويفهم هذا الحصر من الفحوى والجملة تذييل لحقية وعده تعالى المخصوص ممن ذكر المومي إلى الوعيد لأضدادهم خلق السموات بغير عمد إلخ إستئناف جيء به للإستشهاد بما فصل فيه على عزته عزوجل التي هي كمال القدرة وحكمته التي هي كمال العلم وإتقان العمل وتمهيد قاعدة التوحيد وتقريره وإبطال أمر الإشراك وتبكيت أهله والعمد جمع عماد كأهب جمع أهاب وهو ما يعمد به أي يسند يقال عمدت الحائط إذا دعمته أي خلقها بغير دعائم على أن الجمع لتعدد السموات وقوله تعالى : ترونها إستئناف في جواب سؤال تقديره ما الدليل على ذلك فهو مسوق لإثبات كونها بلا عمد لأنها لو كانت لها عمد رؤيت فالجملة لا محل لها من الأعراب والضمير المنصوب للسموات والرؤية بصرية لا علمية حتى يلزم حذف أحد مفعوليها وجوز أن يكون صفة لعمد فالضمير لها أي خلقها بغير عمد مرئية على التقييد للرمز إلى أنه تعالى عمدها بعمد لا ترى وهي عمد القدرة وروى ذلك عن مجاهد وكون عمادها في كل عصر الإنسان الكامل في ذلك العصر ولذا إذا أنقطع الإنسان الكامل وذلك عند إنقطاع النوع الإنساني تطوى السموات كطي السجل للكتب كلام لا عماد له من كتاب أو سنة فيما نعلم وفرق كل ذي علم عليم وألقى في الأرض رواسي بيان لصنعه تعالى البديع في قرار الأرض إثر بيان صنعه عزوجل الحكيم في قرار السموات أي ألقى فيها جبالا شوامخ أو ثوابت كراهة أن تميد أو لئلا تميد أي تضطرب بكم لو لم يلق سبحانه وتعالى فيها رواسي لما أن الحكمة أقتضت خلقها على حال لو خلت معه عن الجبال لمادت بالمياه المحيطة بها الغامرة لأكثرها والرياح العواصف التي تقتضي الحكمة هبوبها أو بنحو ذلك وقد يعد منه حركة ثقيل عليها وقد ذكر بعض الفلاسفة أنه يلزم بناء على كرية الأرض ووجوب إنطباق مركز ثقلها على مركز العالم حركتها مع ما فيها من الجبال بسب حركة ثقيل من جانب منها إلى آخر لتغير مركز الثقل حينئذ إلا أنه لم يظهر ذلك لكون الأثقال المتحركة عليها كلا شيء بالنسبة إليها مع ما فيها ولعل من يعد حركة الثقيل عليها من أسباب الميد لو خلت من الجبال يقول : لا يبعد حركة ثقيل عليها كماء جرى من مكان إلى آخر فأجتمع حتى صار بحرا عظيما مع ما ينضم إلى ذلك مما تنقله الأهوية من الرمال الكثيرة والتراب يكون له مقدار يعتد به بالنسبة إلى الأرض خالية من الجبال فتتحرك بحركته إلى خلاف جهته ثم إن الميد لولا الرواسي بنحو المياه والرياح متصور على