كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 21)
كان نبيا والأكثرون على أنه كان في زمن داؤد عليه السلام ولم يكن نبيا وأختلف فيه أكان حرا أو عبدا والأكثرون على أنه كان عبدا وأختلفوا فقيل : كان حبشيا وروى ذلك عن إبن عباس ومجاهد
وأخرج ذلك إبن مردويه عن أبي هريرة مرفوعا وذكر مجاهد في وصفه أنه كان غليظ الشفتين مصفح القدمين وقيل : كان نوبيا مشقق الرجلين ذا مشافر وجاء ذلك في رواية عن إبن عباس وإبن المسيب ومجاهد
وأخرج إبن أبي حاتم عن عبدالله بن الزبير قال : قلت لجابر بن عبدالله ما إنتهى إليكم من شأن لقمان قال : كان قصيرا أفطس من النوبة وأخرج هو وإبن جرير وإبن المنذر عن إبن المسبب أنه قال : إن لقمان كان أسود من سودان مصر ذا مشافر أعطاه الله تعالى الحكمة ومنعه النبوة وأختلف فيما كان يعانيه من الأشغال فقال خالد بن الربيع : كان نجارا بالراء وفي معاني الزجاج كان نجادا بالدال وهو على وزن كتان من يعالج الفرش والوسائد ويخيطهما
وأخرج إبن أبي شيبة وأحمد في الزهد وإبن المنذر عن إبن المسيب أنه كان خياطا وهو أعم من النجاد وعن إبن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه كان راعيا وقيل : كان يحتطب لمولاه كل يوم حزمة ولا وثوق لي بشيء من هذه الأخبار وإنما نقلتها تأسيا بمن نقلها من المفسرين الأخبار غير أني أختار أنه كان رجلا صالحا حكيما ولم يكن نبيا و الحكمة على ما أخرج إبن مردويه عن إبن عباس العقل والفهم والفطنة وأخرج الفريابي وأحمد في الزهد وإبن جرير وإبن أبي حاتم عن مجاهد أنها العقل والفقه والإصابة في القول وقال الراغب : هي معرفة الموجودات وفعل الخيرات وقال الإمام : هي عبارة عن توفيق العمل بالعلم ثم قال : وإن أردنا تحديدا بما يدخل فيه حكمة الله تعالى فنقول : حصول العمل على وفق المعلوم وقال أبو حيان : هي المنطق الذي يتعظ به ويتنبه ويتناقله الناس لذلك وقيل : إتقان الشيء علما وعملا وقيل : كمال حاصل بإستكمال النفس الإنسانية بإقتباس العلوم النظرية وإكتساب الملكة التامة على الأفعال الفاضلة على قدر طاقتها وفسرها كثير من الحكماء بمعرفة حقائق الأشياء على ما هي عليه بقدر الطاقة البشرية ولهم تفسيرات أخر ومالها وما عليها من الجرح والتعديل مذكوران في كتبهم ومن حكمته قوله لإبنه : أي بني إن الدنيا بحر عميق وقد غرق فيها ناس كثير فأجعل سفينتك فيها تقوى الله تعالى وحشوها الإيمان وشراعها التوكل على الله تعالى لعلك أن تنجو ولا أراك ناجيا وقوله : من كان له من نفسه واعظ كان له من الله عزوجل حافظ ومن أنصف الناس من نفسه زاده الله تعالى بذلك عزا والذل في طاعة الله تعالى أقرب من التعزز بالمعصية وقوله : ضرب الوالد لولده كالسماد للزرع وقوله : يابني إياك والدين فإنه ذل النهار هم الليل وقوله يابني أرج الله عزوجل رجاء لا يجريك على معصيته تعالى وخف الله سبحانه خوفا لا يؤيسك من رحمته تعالى شأنه وقوله : من كذب ذهب ماء وجهه ومن ساء خلقه كثر غمه ونقل الصخور من مواضعها أيسر من إفهام من لا يفهم وقوله : يأبني حملت الجندل والحديد وكل شيء ثقيل فلم أحمل شيئا هو أثقل من جار السوء وذقت المرار فلم أذق شيئا وأمر من الفقر يابني لا ترسل رسولك جاهلا فإن لم تجد حكيما فكن رسول نفسك يابني إياك والكذب فإنه شهي كلحم العصفور عما قليل يغلي صاحبه يابني أحضر الجنائز ولا تحضر العرس فإن الجنائز تذكرك الآخرة والعرس يشهيك الدنيا يابني لا تأكل شبعا على شبع فإن إلقاءك إياه للكلب خير من أن تأكله يابني لا تكن حلوا فتبلع ولا مرا فتلفظ وقوله لإبنه : لا يأكل طعامك إلا الأتقياء وشاور في أمرك العلماء وقوله : لا خير لك في أن تتعلم