كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 21)
وكالصلة والبر بالنسبة إلى الوالدين وعن سفيان بن عيينة من صلى الصلوات الخمس فقد شكر الله تعالى ومن دعا لوالديه في إدبارها فقد شكرهما ولعل هذا بيان لبعض أفراد الشكر إلي المصير 41 تعليل لوجوب الإمتثال بالأمر أي إلى الرجوع لا إلى غيري فأجازيك على ما صدر عنك مما يخالف أمري
وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به أي بإستحقاقه الإشراك أو بشركته له تعالى في إستحقاق العبادة والجار متعلق بقوله تعالى : علم وما مفعول تشرك كما أختاره إبن الحاجب ثم قال : ولو جعل اشرك بمعنى تكفر وجعلت ما نكرة أو بمعنى الذي بمعنى كفرا أو الكفر وتكون نصبا على المصدرية لكان وجها حسنا والكلام عليه أيضا بتقدير مضاف أي وإن جاهداك الوالدان على أن تكفر بي كفرا ليس لك أو الكفر الذي ليس لك بصحته أو بحقيته علم فلا تطعهما في ذلك والمراد إستمرار نفي العلم لا نفي إستمراره فلا يكون الإشراك إلا تقليدا وفي الكشاف أراد سبحانه بنفي العلم نفي ما يشرك أي لا تشرك بي ما ليس بشيء يريد عزوجل الأصنام كقوله سبحانه ما تدعون من دونه من شيء : وجعله الطيبي على ذلك من باب نفي الشيء بنفي لازمه وذلك أن العلم تابع للمعلوم فإذا كان الشيء معدوما لم يتعلق به موجودا ونقل عن إبن المنير أنه عليه من باب
على لا حب لا يهتدي بمناره
أي ما ليس بإله فيكون لك علم بآلهيته وفي الكشف أن الزمخشري أراد أنه بولغ في نفي الشريك حتى جعل كل شيء ثم بولغ حتى مالا يصح أن يتعلق به علم والمعدوم يصح أن يعلم ويصح أن يقال أنه شيء فأدخل في سلك المجهول مطلقا وليس من قبيل نفي العلم لنفي وجوده وهذا تقرير حسن وفيه مبالغة عظيمة منه يظهر ترجيح هذا المسلك في هذا المقام على أسلوب
ولا ترى الضب بها ينجحر
فأفهم ولا تغفل وصاحبهما في الدنيا معروفا أي صحابا معروفا يرتضيه الشرع ويقتضيه الكرم والمروءة كإطعامهما وإكسائهما وعدم جفائهما وإنتهارهما وعيادتهما إذا مرضا ومواراتهما إذا ماتا وذكر في الدنيا لتهوين أمر الصحبة والإشارة إلى أنها في أيام قلائل وشيكة الإنقضاء فلا يضر تحمل مشقتها لقلة أيامها وسرعة إنصرامها وقيل للإشارة إلى أن الرفق بهما في الأمور الدنيوية دون الدينية
وقيل : ذكره لمقابلته بقوله تعالى : ثم إلي مرجعكم وأتبع سبيل من أناب أي رجع إلى بالتوحيد والإخلاص بالطاعة وحاصله أتبع سبيل المخلصين لا سبيلهما ثم إلي مرجعكم أي رجوعك ورجوعهما وزاد بعضهم من أناب وهو خلاف الظاهر وأياما كان ففيه تغليب للخطاب على الغيبة فأنبئكم عند رجوعكم بما كنتم تعملون 51 بأن أجازي كلا منكم بما صدر عنه من الخير والشر والآية نزلت في سعد بن أبي وقاص
أخرج أبو يعلى والطبراني وإبن مردويه وإبن عساكر عن أبي عثمان النهدي أن سعد بن أبي وقاص قال : أنزلت في هذه الآية وإن جاهداك الآية كنت رجلا برا بأمي فلما أسلمت قالت : يا سعد وما هذا الذي أراك قد أحدثت لتدعن دينك هذا أولا أكل ولا أشرب حتى أموت فتعير بي فيقال ياقاتل أمه قلت : لا تفعلي ياأمه فأني لا أدع ديني هذا لشيء فمكثت يوما وليلة لا تأكل فأصبحت قد جهدت فمكثت يوما وليلة لا تأكل فأصبحت قد أشتد جهدها فلما رأيت ذلك قلت : يا أمه تعلمين والله لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسا نفسا