كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 21)
ما تركت ديني هذا لشيء فإن شئت فكلي وإن شئت لا تأكلي فلما رأت ذلك أكلت فنزلت هذه الآية وذكر بعضهم أن هذه وما قبلها أعني قوله تعالى : ووصينا الإنسان الآية نزلتا فيه قيل ولكون النزول فيه قيل : من أناب بتوحيد الضمير حيث أريد بذلك أبو بكر رضي الله تعالى عنه فإن إسلام سعد كان بسبب إسلامه
أخرج الواحدي عن عطاء عن إبن عباس قال أنه يريد بمن أناب أبو بكر وذلك أنه حين أسلم رآه عبدالرحمن إبن عوف وسعيد بن يزيد وعثمان وطلحة والزبير فقالوا لأبي بكر آمنت وصدقت محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم فقال أبو بكر : نعم فأتوا رسول الله صلى الله عليه و سلم فآمنوا وصدقوا فأنزل الله تعالى يقول لسعد : وأتبع سبيل من أناب إلي يعني أبا بكر رضي الله تعالى عنه وإبن جريج يقول كما أخرج عنه إبن المنذر من أناب محمد عليه الصلاة و السلام وغير واحد يقول هو صلى الله تعالى عليه وسلم والمؤمنون والظاهر هو العموم
يابني إلخ رجوع إلى القصة بذكر بقية ما أريد حكايته من وصايا لقمان أثر تقرير ما في مطلعه من النهي عن الشرك وتأكيده بالإعتراض إنها أي الخصلة من الإساءة والإحسان لفهمها من السياق وقيل : وهو كما ترى أنها أي التي سألت عنها فقد روى أن لقمان سأله إبنه أرأيت الحبة تقع في مغاص البحر أيعلمها الله تعالى فقال يابني إنها أي التي سألت عنها إن تك مثقال حبة من خردل أي إن تكن مثلا في الصغر كحبة الخردل والمثقال ما يقدر به غيره لتساوي ثقلهما وهو في العرف معلوم
وقرأ نافع والأعرج وأبو جعفر مثقال بالرفع على أن الضمير للقصة و تك مضارع كان التامة والتأنيث لإضافة الفاعل إلى المؤنث كما في قول الأعشى : وتشرق بالقول الذي قد أذعته كما شرقت صدر القناة من الدم أو لتأويله بالزنة أو الحسنة والسيئة فتكن في صخرة أو في السموات أو في الأرض أي فتكن مع كونها في أقصى غايات الصغر والقماءة في أخفى مكان وأحرزه كجوف الصخرة أو حيث كانت في العالم العلوي أو السفلي وقيل : في أخفى مكان وأحرزه كجوف الصخرة أو أعلاه كمحدب السموات أو أسفله كمقعر الأرض ولا يخفى أنه لا دلالة في النظم على تخصيص المحدب والمقعر ولعل المقام يقتضيه إذ المقصود المبالغة
وفي قوله تعالى : في السموات لا يأبى ذلك لأنها ذكرت بحسب المكانية أو للمشاكلة أو هي بمعنى على وعبر بها للدلالة على التمكن ومع هذا الظاهر ما تقدم وفي البحر أنه بدأ بما يتعقله السامع أولا وهو كينونة الشيء في صخرة وهو ما صلب من الحجر وعسر الإخراج منه ثم أتبعه بالعالم العلوي وهو أغرب للسامع ثم أتبعه بما يكون مقر الأشياء للشاهد وهو الأرض وقيل : إن خفاء الشيء وصعوبة نيله بطرق بغاية صغره ويبعده عن الرائي وبكونه في ظلمة وبإحتجاجه فمثقال حبة من خردل إشارة إلى غاية الصغر و في صخرة إشارة إلى الحجاب و في السموات إشارة إلى البعد و في الأرض إشارة إلى الظلمة فإن جوف الأرض أشد الأماكن ظلمة فليس المراد بصخرة صخرة معينة وعن إبن عباس والسدي أن هذه الصخرة هي التي عليها الأرض وأخرج إبن مردويه عن إبن عباس أن الأرض على نون والنون على بحر والبحر على صخرة خضراء خضرة الماء منها والصخرة على قرن ثور وذلك الثور على الثرى ولا يعلم ما تحت الثرى إلا الله تعالى
وفسر بعضهم الصخرة بهذه الصخرة وقيل : هي صخرة في الريح قال إبن عطية : وكل ذلك ضعيف