كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 21)
أي فجأة وهم لا يشعرون 35 أي بإتيانه ولعل المراد بإتيانه كذلك أنه لا يكون بطريق التعجيل عند إستعجالهم والإجابة إلى مسؤلهم فإن ذلك إتيان برأيهم وشعورهم لا أنه يأتيهم وهم قارون آمنون لا يحظرونه بالبال كدأب بعض العقوبات النازلة على بعض الأمم بيانا وهم نائمون أو ضحى وهم يلعبون لما أن إتيان عذاب الآخرة وعذاب يوم بدر ليس من هذا القبيل قاله بعضهم وقال آخرون : إتيانه كذلك من حيث أنه غير متوقع لهم وإتيان عذاب الآخرة ونحوه كذلك لإنكارهم البعث وكذا عذاب القبر أو إعتقادهم شفاعة آلهتهم لهم في دفع العذاب عنهم وكذا إتيان عذاب يوم بدر لأنهم لغرورهم كانوا لا يتوقعون غلبة المسلمين ولا تخطر لهم ببال على ما بين في السير
يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين 45 إستئناف مسوق لغاية تجهيلهم وركاكة رأيهم وهو ظاهر في أن ما أستعجلوه عذاب الآخرة وجملة إن جهنم إلخ في موضع الحال أي يستعجلونك بالعذاب والحال إن محل العذاب الذي لا عذاب فوقه محيط بهم كأنه قيل : يستعجلونك بالعذاب وإن العذاب لمحيط بهم أي سيحيط بهم على إرادة المستقبل من أسم الفاعل أو كالمحيط بهم الآن لإحاطة الكفر والمعاصي الموجبة إياه بهم على أن في الكلام تشبيها بليغا أو إستعارة أو مجازا مرسلا أو تجوزا في الإسناد وقيل : إن الكفر والمعاصي هي النار في الحقيقة لكنها ظهرت في هذه النشأة بهذه الصورة والمراد بالكافرين المستعجلون ووضع الظاهر موضع الضمير للإشعار بعلة الحكم أو جنس الكفرة وهم داخلون فيه دخولا أوليا يوم يغشاهم العذاب ظرف لمضمر قد طوى ذكره إيذانا بغاية كثرته وفظاعته كأنه قيل : يوم يأتيهم ويجللهم العذاب الذي أشير إليه بإحاطة جهنم بهم يكون من الأحوال والأهوال ما لا يفي به المقال وقيل : ظرف لمحيطة على معنى وأن جهنم ستحيط بالكافرين يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم أي من جميع جهاتهم فما ذكر للتعميم كما في الغدو والآصال قيل : وذكر الأرجل لدلالة على أنهم لا يقرون ولا يجلسون وذلك أشد العذاب ويقول أي الله عزوجل وقيل : الملك الموكل بهم
وقرأ إبن كثير وإبن عامر والبصريون ونقول بنون العظمة وهو ظاهر في أن القائل هو الله تعالى
وقرأ أبو البرهسم وتقول بالتاء على أن القائل جهنم ونسب القول إليها هنا كما نسب في قوله تعالى : وتقول هل من مزيد وقرأ إبن مسعود وإبن أبي عبلة ويقال مبنيا للمفعول ذوقوا ما كنتم تعملون 55 أي جزاء ما كنتم تعملونه في الدنيا على الإستمرار من السيئات التي من جملتها الإستعجال بالعذاب
ياعبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فأعبدون 65 نزلت على ما روى عن مقاتل والكلبي في المستضعفين من المؤمنين بمكة أمروا بالهجرة عنها وعلى هذا أكثر المفسرين وعمم بعضهم الحكم في كل من لا يتمكن من إقامة أمور الدين كما ينبغي في أرض لممانعة من جهة الكفرة أو غيرهم فقال : تلزمه الهجرة إلى أرض يتمكن فيها من ذلك وروى هذا عن إبن جبير وعطاء ومجاهد ومالك بن أنس وقال مطرف بن الشخير : إن الآية عدة منه تعالى بسعة الرزق في جميع الأرض وعلى القولين فالمراد بالأرض