كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 21)
إبن جريج والعزم بهذا المعنى مما ينسب إلى الله تعالى ومنه ما ورد من عزمات الله عزوجل والمراد به هنا المعزوم إطلاقا للمصدر على المفعول والإضافة من إضافة الصفة إلى الموصوف أي الأمور المعزومة
وجوز أن يكون العزم بمعنى الفاعل أي عازم الأمور من عزم الأمر أي جد فعزم الأمور من باب الإسناد المجازي كمكر الليل لا من باب الإضافة على معنى في وإن صح وقيل : يريد من مكارم الأخلاق وعزائم أهل الحزم السالكين طريق النجاة وأستظهر أبو حيان أنه أراد من لازمات الأمور الواجبة ونقل عن بعضهم أن العزم هو الحزم بلغة هذيل والحزم والعزم أصلان وما قاله المبرد من أن العين قلبت جاء ليس بشيء لإطراد تصاريف كل من اللفظين فليس أحدهما أصلا للآخر والجملة تعليل لوجوب الإمتثال بما سبق وفيه إعتناء بشأنه ولا تصعر خدك للناس أي لا تمله عنهم ولا تولهم صفحة وجهك كما يفعله المتكبرون قاله إبن عباس وجماعة وأنشدوا
وكنا إذا الجبار صعر خده أقمنا له من ميله فتقوما فهو من الصعر بمعنى الصيد وهو داء يعتري البعير فيلوي منه عنقه ويستعار للتكبر كالصعر وقال إبن خويزمنداد : نهى أن يذل نفسه من غير حاجة فيلوي عنقه ورجح الأول بأنه أوفق بما بعد ولام للناس تعليلية والمراد ولا تصعر خدك لأجل الإعراض عن الناس أو صلة وقرأ نافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي تصاعر بألف بعد الصاد وقرأ الجحدري تصعر مضارع أصعر والكل واحد مثل علاه وعالاه وأعلاه
ولا تمش في الأرض التي هي أحط الأماكن منزلة مرحا أي فرحا وبطرا مصدر وقع موقع الحال للمبالغة أو لتأويله بالوصف أو تمرح مرحا على أنه مفعول مطلق لفعل محذوف والجملة في موضع الحال أو لأجل المرح على أنه مفعول له وقريء مرحا بكسر الراء على أنه وصف في موضع الحال إن الله لا يحب كل مختال فخور 81 تعليل للنهي أو موجبه والمختال من الخيلاء وهو التبختر في المشي كبرا وقال الراغب : التكبر عن تخيل فضيلة تراءت للإنسان من نفسه ومنه تؤول لفظ الخيل لما قيل أنه لا يركب أحد فرسا إلا وجد في نفسه نخوة والفخور من الفخر وهو المباهاة في الأشياء الخارجة عن الإنسان كالمال والجاه ويدخل في ذلك تعداد الشخص ما أعطاه لظهور أنه مباهاة بالمال وعن مجاهد تفسير الفخور بمن يعدد ما أعطى ولا يشكر الله عزوجل وفي الآية عند الزمخشري لف ونشر معكوس حيث قال : المختال مقابل للماشي مرحا وكذلك الفخور للمصعر خده كبرا وذلك لرعاية الفواصل على ما قيل ولا يأبى ذلك كون الوصية لم تكن باللسان العربي كما لا يخفى
وجوز أن يكون هناك لف ونشر مرتب فإن الإختيال يناسب الكبر والعجب وكذا الفخر يناسب المشي مرحا والكلام على رفع الإيجاب الكلي والمراد السلب الكلي وجوز أن يبقى على ظاهره وصيغة فخور للفاصلة ولأن ما يكره من الفخر كثرته فإن القليل منه يكثر وقوعه فلطف الله تعالى بالعفو عنه وهذا كما لطف بإباحة إختيال المجاهد بين الصفين وإباحة الفخر بنحو المال لمقصد حسن وأقصد في مشيك بعد الإجتناب عن المرح فيه أي توسط فيه بين الدبيب والإسراع من القصد وهو الإعتدال وجاء في عدة روايات إلا أن في أكثرها مقالا يخرجها عن صلاحية الإحتجاج بها كما لا يخفى على من راجع شرح الجامع الصغير للمناوي