كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 21)
إن كان التقليد أخذا لقول الغير بغير حجة مع إحتمال شك ووهم بأن لا يجزم المقلد فلا يكفي إيمانه قطعا لأنه لا إيمان مع أدنى تردد فيه وإن كان لكن جزما فيكفي عند الأشعري وغيره خلافا لأبي هاشم في قوله لا يكفي بل لا بد لصحة الإيمان من النظر وذكر الخفاجي أنه لا خلاف في إمتناع تقليد من لم يعلم أنه مستند إلى دليل حق وظاهر ذم المجادلين بغير علم ولا هدى ولا كتاب أنه يكفي في النظر الدليل النقلي الحق كما يكفي فيه الدليل العقلي
أو لو كان الشيطان يدعوهم أي يدعو آباءهم لا أنفسهم كما قيل : فإن مدار إنكار الإستتباع كون المتبوعين تابعين للشياطين وينادي عليه قوله تعالى : أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون بعد قوله سبحانه : بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا ويعلم منه حال رجوع الضمير إلى المجموع أي أولئك المجادلين وآباءهم إلى عذاب السعير 12 أي إلى ما يؤل إليه أو يتسبب منه من الإشراك وإنكار شمول قدرته عزوجل للبعث ونحو ذلك من الضلالات وجوز بقاء عذاب السعير على حقيقته والإستفهام للإنكار ويفهم التعجيب من السياق أو للتعجيب ويفهم الإنكار من السياق والواو حالية والمعنى أيتبعونهم ولو كان الشيطان يدعوهم أي في حال دعاء الشيطان إياهم إلى العذاب وجوز كون الواو عاطفة على مقدر أي أيتبعونهم لو لم يكن الشيطان يدعوهم إلى العذاب ولو كان يدعوهم إليه وهما قولان مشهوران في الواو الداخلة على لو الوصلية ونحوها وكذا في إحتياجها إلى الجواب قولان قول بالإحتياج وقول بعدمه لإنسلاخها عن معنى الشرط ومن ذهب إلى الأول قدره هنا لا يتبعوهم وهو مما لا غبار عليه على تقدير كون الواو عاطفة وأما على تقدير كونها حالية فزعم بعضهم أنه لا يتسنى وفيه نظر وقد مر الكلام على نحو هذه الآية الكريمة فتذكر
ومن يسلم وجهه إلى الله بأن فوض إليه تعالى جميع أموره وأقبل عليه سبحانه بقلبه وقالبه فألسلام كالتسليم التفويض والوجه الذات والكلام كناية عما أشرنا إليه من تسليم الأمور جميعها إليه تعالى والإقبال التام عليه عزوجل وقد يعدى الإسلام باللام قصدا لمعنى الإخلاص
وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه والسلمي وعبدالله بن مسلم بن يسار يسلم بتشديد اللام من التسليم وهو أشهر في معنى التفويض من الإسلام وهو محسن أي في أعماله والجملة في موضع الحال
فقد أستمسك بالعروة الوثقى تعلق أتم تعلق بأوثق ما يتعلق به من الأسباب وهذا تشبيه تمثيلي مركب حيث شبه حال المتوكل على الله عزوجل المفوض إليه أموره كلها الحسن في أعماله بمن ترقى في جبل شاهق أو تدلي منه فتمسك بأوثق عروة من حبل متين مأمون إنقطاعه وجوز أن يكون هناك إستعارة في المفرد وهو العروة الوثقى بأن يشبه التوكل النافع المحمود عاقبته بها فتستعار له وإلى الله عاقبة الأمور 22 أي هي صائرة إليه عزوجل لا إلى غيره جل جلاله فلا يكون لأحد سواه جل وعلا تصرف فيها بأمر ونهي وثواب وعقاب فيجازي سبحانه هذا المتوكل أحسن الجزاء وقيل : فيجازي كلا من هذا المتوكل وذاك المجادل بما يليق به بمقتضى الحكمة وأل في الأمور للإستغراق و قيل : تحتمل العهد على أن المراد الأمور المذكورة من المجادلة وما بعدها وتقديم إلى الله للحصر ردا على الكفرة في زعمهم مرجعية آلهتهم لبعض الأمور