كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 21)
وأختار بعضهم كونه إجلالا للجلالة ورعاية للفاصلة ظنا منه أن الإستغراق مغن عن الحصر وهو ليس كذلك ومن كفر فلا يحزنك كفره أي فلا يهمنك ذلك إلينا لا إلى غيرنا مرجعهم رجوعهم بالبعث يوم القيامة فننبئهم بما عملوا أي بعملهم أو بالذي عملوه في الدنيا من الكفر والمعاصي بالعذاب والعقاب وقيل : إلينا مرجعهم في الدارين فنجازيهم بالإهلاك والتعذيب والأول أظهر وأيا ما كان فالجملة في موضع التعليل كأنه قيل : لا يهمنك كفر من كفر لأنا ننتقم منه ونعاقبه على عمله أو الذي عمله والجمع في الضمائر الثلاثة بإعتبار معنى من كما أن الأفراد في الأول بإعتبار لفظها وقريء في السبع ولا يحزنك مضارع أحزن مزيد حزن اللام وقدر للزوم ليكون للنقل فائدة وحزن وأحزن لغتان قال اليزيدي : حزنه لغة قريش وأحزنه لغة تميم وقد قريء بهما وذكر الزمخشري أن المستفيض في الإستعمال ماضي الأفعال ومضارع الثلاثي والعهدة في ذلك عليه إن الله عليم بذات الصدور 32 تعليل للتنبئة المعبر بها عن المجازاة أي يجازيهم سبحانه لأنه عزوجل عليم بالضمائر فما ظنك بغيرها
نمتعهم قليلا تمتيعا قليلا أو زمانا قليلا فإن ما يزول بالنسبة إلى ما يدوم قليل ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ 42 ثقيل عليهم ثقل الأجرام الغلاظ والمراد بالإضطرار أي الإلجاء إلزامهم ذلك العذاب الشديد إلزام المضطر الذي لا يقدر على الإنفكاك مما ألجيء إليه وفي الإنتصاف تفسير هذا الإضطرار ما في الحديث من أنهم لشدة ما يكابدون من النار يطلبون البرد فيرسل عليهم الزمهرير فيكون أشد عليهم من اللهب فيتمنون عود اللهب إضطرارا فهو إختيار عن إضطرار وبأذيال هذه البلاغة تعلق الكندي حيث قال : يرون الموت قداما وخلقا فيختارون والموت إضطرار وقيل : المعنى نضم إلى الإحراق الضغط والتضييق فلا تغفل ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله أي خلقهن الله تعالى وجوز أن يكون التقدير الله خلقهن والأول أولى كما فصل في محله وقولهم ذلك لغاية وضوح الأمر بحيث أضطروا إلى الإعتراف به قل الحمد لله على إلزامهم وإلجائهم إلى الإعتراف بما يوجب بطلان ما هم عليه من إشراك غيره تعالى به جل شأنه في العبادة التي لا يستحقها غير الخالق والمنعم الحقيقي
وجوز جعل المحمود عليه جعل دلائل التوحيد بحيث لا ينكرها المكابر أيضا بل أكثرهم لا يعلمون 52 أن ذلك يلزمهم قيل : وفيه إيغال حسن كأنه قال سبحانه : وإن جهلهم إنتهى إلى أن لا يعلموا أن الحمد لله ما موقعه في هذا المقام وقد مر تمام الكلام في نظير الآية في العنكبوت فتذكر
لله ما في السموات والأرض خلقا وملكا وتصرفا ليس لأحد سواه عزوجل إستقلالا ولا شركة فلا يستحق العبادة فيهما غيره سبحانه وتعالى بوجه من الوجوه وهذا إبطال لمعتقدهم من وجه آخر لأن المملوك لا يكون شريكا لمالكه فكيف يستحق ما هو حقه من العبادة وغيرها إن الله هو الغني عن كل شيء الحميد 62 المستحق للحمد وإن لم يحمده جل وعلا أحد أو المحمود بالفعل يحمده كل مخلوق بلسان الحال وكأن الجملة جواب عما يوشك أن يخطر ببعض الأذهان السقيمة من أنه هل إختصاص ما في السموات