كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 21)

والأرض به عزوجل لحاجته سبحانه إليه وهو جواب بنفي الحاجة على أبلغ وجه فقد كان يكفي في الجواب إن الله غني إلا أنه جيء بالجملة متضمنة للحصر للمبالغة وجيء بالحميد أيضا تأكيدا لما تفيده من نفي الحاجة بالإشارة إلى أنه تعالى منعم على من سواه سبحانه أو متصف بسائر صفات الكمال فتأمل جدا وقال الطيبي : إن قوله تعالى : لله ما في السموات والأرض تهاون بهم وإبداء أنه تعالى مستغن عنهم وعن حمدهم وعبادتهم ولذلك علل بقوله سبحانه : إن الله هو الغني أي عن حمد الحامدين الحميد أي المستحق للحمد وإن لم يحمدوه عزوجل
ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام أي لو ثبت كون ما في الأرض من شجرة إقلامافإنوما بعدها فاعل ثبت مقدر بقرينة كون أن دالة على الثبوت والتحقق وإلى هذا ذهب المبرد وقال سيبويه : إن ذلك مبتدأ مستغن عن الخبر لذكر المسند والمسند إليه بعده وقيل : مبتدأ خبره مقدر قبله وقال إبن عصفور : بعده و ما في الأرض أسم أن و من شجرة بيانلماأو للضمير العائد إليها في الظرف فهو في موضع الحال منها أو منه أي ولو ثبت أن الذي أستقر في الأرض كائنا من شجرة و أقلام خبر أن قال أبو حيان : وفيه دليل دعوى الزمخشري وبعض العجم ممن ينصر قوله : إن خبر أن الجائية بعدلولا يكون أسما جامدا ولا أسما مشتقا بل يجب أن يكون فعلا وهو باطل ولسان العرب طافح بخلافه قال الشاعر : ولو أنها عصفورة لحسبتها مسومة تدعو عبيدا وأزنما وقال آخر : ما أطيب العيش لو أن الفتى حجر تنبو الحوادث عنه وهو ملموم إلى غير ذلك وتعقب بأن إشتراط كون خبرها فعلا إنما هو إذا كان مشتقا فلا يرد أقلام هنا ولا ما ذكر في البيتين وأما قوله تعالى : لو أنهم بادون فلو فيه للتمني والكلام في خبر أن الواقعة بعد لو الشرطية والمراد بشجرة كل شجرة والنكرة قد تعم في الإثبات إذا أقتضى المقام ذلك كما في قوله تعالى : علمت نفس ما أحضرت وقول إبن عباس رضي الله عنهما لبعض أهل الشام وقد سأله عن المحرم إذا قتل جرادة أيتصدق بتمرة فدية لها تمرة خير من جرادة على ما أختاره جمع ولا نسلم المنافاة بين هذا العموم وهذه التاء فكأنه قيل : ولو أن كل شجرة في الأرض أقلام إلخ وكون كل شجرة أقلاما بإعتبار الأجزاء أو الأغصان فيؤل المعنى إلى لو أن أجزاء أو أغصان كل شجرة في الأرض أقلاما إلخ ويحسن إرادة العموم في نحو ما نحن فيه كون الكلام الذي وقعت فيه النكرة شرطا بلو وللشرط مطلقا قرب ما من النفي فما ظنك به إذا كان شرطا بها وإن كانت هنا ليست بمعناها المشهور من إنتفاء الجواب لإنتفاء الشرط أو العكس بل هي دالة على ثبوت الجواب أو حرف شرط في المستقبل على ما فصل في المعنى وإختيار شجرة على أشجار أو شجر لأن الكلام عليه أبعد عن إعتبار التوزيع بأن تكون كل شجرة من الأشجار أو الشجر قلما المخل بمقتضى المقام من المبالغة بكثرة كلماته تعالى شأنه وفي البحر أن هذا مما وقع فيه المفرد موقع الجمع والنكرة موقع المعرفة ونظيره ما ننسخ من آية ما يفتح الله للناس من رحمة ولله يسجد ما في السموات والأرض من دابة وقول العرب : هذا أول فارس وهذا أفضل عالم يراد من الآيات ومن الرحمات ومن الدواب وأول الفرسان وأفضل العلماء ذكر المفرد النكرة وأريد به معنى الجمع المعرف باللام وهو مهيع في كلام العرب معروف وكذلك يقدر هنا من الشجرات أو من الأشجار فلا تغفل
وقال الزمخشري : إنه قال سبحانه شجرة على التوحيد دون أسم الجنس الذي هو شجر لأنه أريد تفصيل

الصفحة 97