كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 21)
الشجر شجرة شجرة حتى لا يبقى من جنس الشجر ولا واحدة إلا وقد بريت أقلاما وتعقب بأن إفادة المفرد التفصيل بدون تكرار غير معهود والمعهود إفادته ذلك بالتكرير نحو جاؤني رجلا رجلا فتأمل وإختيار جمع القلة في أقلام مع أن الأنسب للمقام جمع الكثرة لأنه لم يعهد للقلم جمع سواه وقلام غير متداول فلا يحسن إستعماله والبحر أي المحيط فأل للعهد لأنه المتبادر ولأنه الفرد للكامل إذ قد يطلق على شعبه وعلى الأنهار العظام كدجلة والفرات وجوز إرادة الجنس ولعل الأول أبلغ يمده من بعده اي من بعد نفاذه وقيل من ورائه سبعة أبحر مفروضة كل منها مثله في السعة والإحاطة وكثرة الماء والمراد بالسبعة الكثرة بحيث تشمل المائة والألف مثلا لا خصوص العدد المعروف كما في قوله عليه الصلاة و السلام : المؤمن يأكل في معي واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء وأخاتيرت لها لأنها عدد تام كما عرفت عند الكلام في قوله تعالى : تلك عشرة كاملة وكثير من المعدودات التي لها شأن كالسموات والكواكب السيارة والأقاليم الحقيقية وأيام الأسبوع إلى غير ذلك منحصر في سبع فلعل في ذكرها هنا دون سبعين المتجوز به عن الكثرة أيضا رمزا إلى شأن كون تلك الأبحر عظيمة ذات شأن ولما لم تكن موضوعة في الأصل لذلك بل للعدد المعروف القليل جاء تمييزها أبحر بلفظ القلة دون بحور وإن كان لا يراد به إلا لكثرة ليناسب بين اللفظين فكما تجوز في السبعة وأستعملت للتكثير تجوز في أبحر وأستعمل فيه أيضا وكان الظاهر بعد جعل ما في الأرض من شجرة أقلاما أن يقال : والبحر مداد لكن جيء بما في النظم الجليل لأن يمده يغني عن ذكر المداد لأنه من قولك : مد الدواة وأمدها أي جعلها ذات مداد وزاد في مدادها ففيه دلالة على المداد مع ما يزيد في المبالغة وهو تصوير الإمداد المستمر حالا بعد حال كما تؤذن به صيغة المضارع فأفاد النظم الجليل جعل البحر المحيط بمنزلة الدواة وجعل أبحر سبعة مثله مملوءة مدادا فهي تصب فيه مدادها أبدا صبا لا ينقطع ورفع البحر على ما أستظهره أبو حيان فيه على الإبتداء وجملة يمده خبره والواو للحال والجملة حال من الموصول أو الضمير الذي في صلته أي لو ثبت كون ما في الأرض من شجرة أقلاما في حال كون البحر ممدودا بسبعة أبحر ولا يضر خلو الجملة عن ضمير ذي الحال فإن الواو يحصل بها من الربط ما لا يتقاعد عن الضمير لدلالتها على المقارنة وأشار الزمخشري إلى أن هذه الجملة وما أشبهها كقوله : وقد أغتدى والطير في وكناتها بمنجرد فيد الأوابد هيكل وجئت والجيش مصطف من الأحوال التي حكمها حكم الظروف لأنها في معناها إذ معنى جئت والجيش مصطف مثلا ومعنى جئت وقت إصطفاف الجيش واحد وحيث ان الظرف يربطه بما قبله تعلقه به وإن لم يكن فيه ضمير وهو إذا وقع حالا أستقر فيه الضمير فما يشبهه كأنه فيه ضمير مستقر ولا يرد عليه إعتراض أبي حيان بأن الظرف إذا وقع حالا ففي العامل فيه ضمير ينتقل إلى الظرف والجملة الأسمية إذا كانت حالا بالواو فليس فيها ضمير منتقل فكيف يقال إنها في حكم الظرف نعم الحق أن الربط بالواو كاف عن الضمير ولا يحتاج معه إلى تكلف هذه المؤنة وجوز أن تكون الجملة حالا من الأرض والعامل فيه معنى الإستقرار والرابط ما سمعت أو أل التي في البحر بناء على رأي الكوفيين من جواز كون أل عوضا عن الضمير كما في قوله تعالى : جنات عدن مفتحة لهم الأبواب أي ولو ثبت كون الذي أستقر في الأرض من شجرة أقلاما حال كون بحرها ممدودا بسبعة أبحر