كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

أزواجه إليه وأكثرهن قبولا عنده وبنت خليفته الأول رضي الله تعالى عنه فسارت معهم بقصد الإصلاح وإنتظام الأمور وحفظ عدة نفوس من كبار الصحابة رضي الله تعالى عنهم وكان معها إبن أختها عبدالله بن الزبير وغيره من أبناء أخواتها أم كلثوم زوج طلحة وأسماء زوج الزبير بل كل من معها بمنزلة الأبناء في المحرمية وكانت في هودج من حديد
فبلغ الأمير كرم الله تعالى وجهه خير التوجه إلى البصرة أولئك القتلة السفلة على غير وجهه وحملوه على أن يخرج إليهم ويعاقبهم وأشار عليه الحسن والحسين وعبدالله بن جعفر وعبدالله بن عباس رضي الله تعالى عنهم بعدم الخروج واللبث إلى أن ينضح الحال فأبى رضي الله تعالى عنه ليقضي الله أمرا كان مفعولا فخرج كرم الله تعالى وجهه ومعه أولئك الأشرار أهل الفتنة فلما وصلوا قريبا من البصرة أرسلوا القعقاع إلى أم المؤمنين وطلحة والزبير ليتعرف مقاصدهم ويعرضها على الأمير رضي الله تعالى عنه وكرم الله وجهه فجاء القعقاع إلى أم المؤمنين فقال : ياأماه ما أشخصك وأقدمك هذه البلدة فقالت : أي بني الإصلاح بين الناس ثم بعثت إلى طلحة والزبير فقال القعقاع : أخبرني بوجه الصلاح قالا : إقامة الحد على قتلة عثمان وتطييب قلوب أوليائه فيكون ذلك سببا لأمننا وعبرة لمن بعدهم فقال القعقاع : هذا لا يكون إلا بعد إتفاق كلمة المسلمين وسكون الفتنة فعليكما بالمسالمة في هذه الساعة فقالا : أصبت وأحسنت فرجع إلى الأمير كرم الله تعالى وجهه فأخبره بذلك فسر به وأستبشر وأشرف القوم على الرجوع ولبثوا ثلاثة أيام لا يشكون في الصلح فلما غشيتهم ليلة اليوم الرابع وقررت الرسل والوسائط في البين أن يظهروا المصالحة صبيحة هذه الليلة ويلاقي الأمير كرم الله تعالى وجهه طلحة والزبير رضي الله تعالى عنهما وأولئك القتلة ليسوا حاضرين معه وتحققوا ذلك ثقل عليهم وأضطربوا وضاقت عليهم الأرض بما رحبت فتشاوروا فيما بينهم أن يغيروا على من كان مع عائشة من المسلمين ليظنوا الغدر من الأمير كرم الله وجهه فيهجموا على عسكره فيظنوا بهم أنهم هم الذين غدروا فينشب القتال ففعلوا ذلك فهجم من كان مع عائشة على عسكر الأمير وصرخ أولئك القتلة بالغدر فألتحم القتال وركب الأمير متعجبا فرأى الوطيس قد حمى والرجال قد سبحت بالدماء فلم يسعه رضي الله تعالى عنه إلا الإشتغال بالحرب والطعن والضرب وقد نقل الواقعة كما سمعت الطبري وجماهير ثقات المؤرخين ورووها كذلك من طرق متعددة عن الحسن وعبدالله بن جعفر وعبدالله بن عباس وما وراء ذلك مما رواه الشيعة عن أسلافهم قتلة عثمان مما لا سلتفت له ويدل على تغلب القتلة وقوة شوكتهم ما في نهج البلاغة المقبول عند الشيعة من أنه قال للأمير كرم الله تعالى وجهه بعض أصحابه : لو عاقبت قوما أجلبوا على عثمان فقال : ياأخوتاه إني لست أجهل ما تعلمون ولكن كيف لي بهم والمجلبون على شوكتهم يملكوننا ولا تملكهم وها هم هؤلاء قد ثارت معهم عبدانكم والتفت إليهم أعرابكم وهم خلالكم يسومونكم ما شاؤا
فحيث كان الخروج أولا للحج ومعها من محارمها من معها ولم يكن الآمر بالإستقرار في البيوت يتضمن النهي عن مثله لم يتوجه الطعن به أصلا وكذا المسير إلى البصرة لذلك القصد فإنه ليس أدون من سفر حج النفل وما ترتب عليه لم يكن في حسابها ولم يمر ببالها ترتبه عليه ولهذا لما وقع ما وقع وترتب ما ترتب ندمت غاية الندم فقد روى أنها كلما كانت تذكر يوم الجمل تبكي حتى يبتل معجرها بل أخرج عبدالله بن أحمد في زوائد الزهد وإبن المنذر وإبن ابي شيبة وإبن سعد عن مسروق قال : كانت عائشة رضي الله تعالى عنها إذا قرأت

الصفحة 10