كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

لهن في حملها لا الإلزام وأنهن خوطبن في ذلك وعقلن الخطاب والله عزوجل قادر على أن يخلق في كل ذرة من ذرات الكائنات الحياة والعلم كما خلقهما سبحانه في ذوي الألباب بل ذهب الفلاسفة إلى القول بثبوت النفوس والحركة الأرادية للأفلاك بل قال بعضهم نحو ذلك في الكواكب وأثبت الحركة الإرادية ونفي القواسر هناك وأن المراد بالإنسان الجنس وأن قوله تعالى : إنه كان ظلوما جهولا في موضع التعليل للحمل
ووصف الجنس بصيغتي المبالغة لكثرة الأفراد المتصفة بالظلم والجهل منه وإن لم يكونا فيها على وجه المبالغة بل لا يخلو فرد من الأفراد عن الإتصاف بظلم ما وجهل ما ولا يجب في وصف الجنس بصيغة المبالغة تحقق تلك الصفة في الأفراد كلا أو بعضا على وجه المبالغة نعم إن تحقق ذلك فهو زيادة خير كما فيما نحن فيه فإن أكثر أفراد الإنسان في غاية الظلم ونهاية الجهل ولعل المراد بظلوم جهول من شأنه الظلم والجهل وأن قوله تعالى : ليعذب إلخ متعلق بعرضنا على أنه تعليل له وفي الكلام إلتفات لا يخفى وتقديم التعذيب لأنه أوفق بصفتي الظلم والجهل وقيل : لأن الأمانة من حكمها اللازم أن خائنها يضمن وليس من حكمها أن حافظها يؤجر ومقابلة التعذيب بالتوبة دون الإثابة أو الرحمة للإشارة إلى أن في المؤمنين والمؤمنات من يصدر منه ما يصح أن يعذب عليه ومع ذلك لا يعذب وفيه إشعار بأنه لا يعذب على كل ظلم وجهل وفي هذا من إدخال السرور على المؤمنين والكآبة على أضدادهم ما فيه وأيضا أن ذلك أوفق بظاهر قوله تعالى : إنه كان ظلوما جهولا وقيل لم يعتبر بالإثابة لأنها علمت من قوله سبحانه : ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما فعبر بما ذكر للتنبيه على أن ذلك بمحض الفضل وهو كما ترى وقيل إن ذاك لأن التذييل متكفل بإفادة رحمتهم وإثابتهم
وقرأ الحسن كما ذكر صاحب اللوامح ويتوب بالرفع على الإستئناف وكان الله غفورا رحيما 37 اي مبالغا في المغفرة والرحمة حيث تاب على المؤمنين والمؤمنات وغفر لهم فرطاتهم وأثابهم بالفوز العظيم على طاعاتهم نسأل الله تعالى أن يتوب علينا ويغفر لنا ويثيبنا بالفوز العظيم إنه جل جلاله وعم نواله غفور رحيم
ومن باب الإشارة في آيات من هذه السورة الكريمة ياأيها النبي أتق الله إلخ فيه إشارة إلى عظم شأن التقوى وكذا شأن كل أمر ونهي يتعلقان به عليه الصلاة و السلام وفيه أيضا إشارة إلى أنه لا ينبغي محبة أعداء الله عزوجل حيث نهى عن طاعتهم وهما كالمتلازمين ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه لأن موقعه في البدن موقع الرئيس في المملكة والحكمة تقتضي وحدة الرئيس وفي الخبر إذا بويع خليفتان فأقتلوا أحدهما
وقيل : إن ذاك لتشعر وحدته في بدن الإنسان الذي هو العالم الأصغر المنطوي فيه العالم الأكبر بوحدة الله سبحانه في الوجود وينبغي أن يعلم أن للقلب عندهم كما قال الصدر القونوي إطلاقين الأول إطلاقه على اللحم الصنوبري الشكل المعروف عند الخاصة والعامة والثاني إطلاقه على الحقيقة الجامعة بين الأوصاف والشئون الربانية وبين الخصائص والأحوال الكونية الروحانية منها والطبيعية وهي تنشأ من بين الهيئة الإجتماعية الواقعة بين الصفات والحقائق الألهية والكونية وما يشمل عليه هذان الأصلان من الأخلاق والصفات اللازمة وما يتولد من بينهما بعد الإرتياض والتزكية وظهور ذلك مما ذكرنا ظهور السواد بين العفص والزاج والماء وهذا هو القلب الذي أخبر عنه الحق على لسان نبيه بقوله سبحانه : ما وسعني أرضي ولا سمائي

الصفحة 100