كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

ووسعلني قلب عبدي المؤمن التقي النقي الوادع وهو محل نظر الحق ومنصة تجليه ومهبط أمره ومنزل تدليه واللحم الصنوبري أحقر من حيث صورته أن يكون محل سره جل وعلا فضلا عن أن يسعه سبحانه ويكون مطمح نظره الأعلى ومستواه وأدعوا أن تسمية ذلك الصنوبري الشكل بالقلب على سبيل المجاز بإعتبار تسمية الصفة والحامل بأسم الموصوف والمحمول وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعياءكم أبناءكم فيه أن الحقائق لا تنقلب وأن في القرابة النسبية خواص لا تكون في القرابة السببية فأين الأزواج من الأمهات والأدعياء من الأبناء فالأمهات أصول ولا كذلك الأزواج والأبناء فروع ولا كذلك الأدعياء ومن هنا قيل : الولد سر أبيه وقد أورده الشمس الفناري في مصباح الأنس حديثا بصيغة الجزم من غير عزو ولا سند ولا يصح ذلك عند المحدثين وهو إشارة إلى الأوصاف والأخلاق والكمالات التي يحصلها الولد بالسراية من والده لا بواسطة توجه القلب إلى حضرة الغيب الألهي وعالم المعاني فإنه بإعتبار ذلك قد تحصل للولد أوصاف وأخلاق على خلاف حال والده ومنه يظهر سر يخرج الحي من الميت فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم فيه إشارة إلى أن للدين نوعا من الأبوة ولهذا قد يقع به التوارث النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم لأنه عليه الصلاة و السلام يحب لهم فوق ما يحبون لها ويسلك بهم المسلك الذي يوصلهم إلى الحياة الأبدية وإذا أخذنا من النبيين ميثاقهم أي في الأزل إذ كانوا أعيانا ثابتة أو يوم الميثاق إذ صار لهم نوع تعين ليسئل الصادقين عن صدقهم سؤال تشريف لا تعنيف والصدق على ما قالوا أن لا يكون في أحوالك شوب ولا في أعمالك عيب ولا في إعتقادك ريب ومن أمارته وجود الإخلاص من غير ملاحظة المخلوق وتصفية الأحوال من غير مداخلة إعجاب وسلامة القول من المعاريض والتباعد عن التلبيس فيما بين الناس وإدامة التبري من الحول والقوة بل الخروج من الوجود المجازي شوقا إلى الوجود الحقيقي ياأيها الذين آمنوا أذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود إلخ طبق بعضهم ما تضمنته الآيات من قصة الأحزاب على ما في الأنفس ولا يخفى حاله ومن غريب ما رأيت أن الشيخ محيي الدين قدس الله سره قسم الأولياء إلى أقسام وجعل منهم قسما يقال اليثربيون وقال : هم قوم من الأولياء لا مقام لهم كما لسائر الأولياء وجعل قول المنافقين ياأهل يثرب لا مقام لكم إشارة إلى ذلك وكم قول غريب لهذا الشيخ غفر الله تعالى له لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا لأنه عليه الصلاة و السلام أكمل الخلق على الإطلاق وأحظى الناس بإشراق أنوار أخلاقه عليه الذين يرجون الله تعالى واليوم الآخر ويذكرونه عزوجل كثيرا الصقالة قلوبهم وقوة إستعدادها لإشراق الأنوار وظهور الآثار من المؤمنين رجال أي رجال كاملون وقول بعضهم : أي متصرفون في الموجودات تصرف الذكور في الإناث كلام بشع تنقبض منه ككثير من كلام المتصوفة قلوب المقتفين للسلف الصالح
ياأيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا إلخ فيه إشارة إلى أن حب الدنيا وزينتها يكون سببا لمفارقة رسول الله والبعد عن حضرته الشريفة وأن محبته عليه الصلاة و السلام تكون سببا للأجر العظيم يانساء النبي من يأت منكن إلخ فيه إشارة إلى تفاوت قبح المعاصي وحسن الطاعات بإعتبار الأشخاص ومثل ذلك تفاوتها بإعتبار الأماكن والأزمان

الصفحة 101