كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن تكون لهم الخيرة من أمرهم إشارة إلى مقام التسليم وأنه اللائق بالمؤمنين وهذا حكم مستمر على الأمة إلى يوم القيامة فلا ينبغي لأحد بلغه شيء عن الله عزوجل وعن رسوله أن يختار لنفسه خلافه لإشعار ذلك بإتهام الله تعالى ورسوله عليه الصلاة و السلام
ولعل الإشارة في الآيات بعد ظاهرة لمن له أدنى إلتفات بيد أنهم أطالوا الكلام في الأمانة المذكورة في قوله تعالى : إنا عرضنا الأمانة الآية فلنذكر بعضا من ذلك فنقول : قال الشيخ محيي الدين قدس سره في بلغة الغواص : إن الأمانة التي عرضت على السموات والأرض فأبين أن يحملنها هي السعة لمعرفة الله تعالى فلم يوجد في السموات والأرض قبول لما قبله الإنسان بهذا التأليف الصوري إذ هو ثمرة العالم فهو يرى نفسه في العالم ويرى ربه سبحانه بالعالم الذي هو نفسه من حيث هو كل العالم فلذلك أتسع لما لم يسعه العالم ولذلك خصه سبحانه بالسعة حيث أخبر جل شأنه أنه لم يسعه سمواته ولا أرضه ووسعه قلب المؤمن من نوع الإنسان إنتهى
وكأنه أراد بكونه وسع الحق سبحانه كونه مظهرا جامعا للأسماء والصفات على وجه لا ينافي تنزيه الحق جل جلاله وهذا قريب مما ذكرناه في التفسير وقلنا إنه مشرب صوفي كما لا يخفى وقال آخر : هي عبارة عن الفيض الألهي بلا واسطة وحمله خاص بالإنسان لأن نسبته مع المخلوقات كنسبة القلب مع الشخص فالعالم شخص وقلبه الإنسان فكما أن القلب حامل للروح بلا واسطة وتسري منه بواسطة العروق والشرايين ونحوها إلى سائر البدن كذلك الإنسان حامل للفيض الألهي بلا واسطة ويسري منه إلى ظاهر الكون وباطنه بواسطة ظاهره وباطنه من أعمال البدن والروح فظاهر العالم وباطنه معمور أن بظاهر الإنسان وباطنه وهذا سر الخلافة ومعنى كونه ظلوما أنه ظالم لنفسه حيث أستعد لأن يحمل أمرا عظيما وكونه جهولا أنه جاهل بها حيث لم يعرف حقيقتها ولم يدرك منها سوى الصورة الحيوانية المتصفة بالصفات البهيمية من الأكل والشرب والنكاح وهاتان الصفتان في حق حاملي الأمانة ومؤدي حقها من حيث أنهما صارتا سببا لحمل الأمانة صفتا مدح وفي حق الخائنين صفتا ذم والشيء قد يكون ذما في حق شخص ومدحا في حق آخر والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل ومنه الإستمداد في فهم كلامه العزيز الجليل
سورة سبأ
مكية كما روى عن إبن عباس وقتادة وفي التحرير هي مكية بإجماعهم وقال إبن عطية : مكية إلا قوله تعالى ويرى الذين أوتوا العلم وروى الترمذي عن فروة بن مسيكة المرادي قال : أتيت النبي فقلت يارسول الله ألا أقاتل من أدبر من قومي الحديث وفيه وأنزل في سبأ ما أنزل فقال رجل : يارسول الله وما سبأ الحديث
قال إبن الحصار هذا يدل على أن هذه القصة مدنية لأن مهاجرة فروة بعد إسلام ثقيف سنة تسع ويحتمل أن يكون قوله وأنزل حكاية عما تقدم نزوله قبل هجرته فلا يأبى كونها مكية وآياتها خمس وخمسون في الشامي وأربع وخمسون في الباقين وما قيل خمس وأربعون سهو من قلم الناسخ ووجه إتصالها بما قبلها أن الصفات التي أجريت على الله تعالى في مفتتحها مما يناسب الحكم التي في مختتم ما قبل من قوله تعالى : ليعذب الله المنافقين والمنافقات إلخ
وأيضا قد أشير فيما تقدم إلى سؤال الكفار عن الساعة على جهة الإستهزاء وههنا قد حكى عنهم إنكارها صريحا والطعن بمن يقول بالمعاد على أتم وجه وذكر مما يتعلق بذلك ما لم يذكر هناك وفي البحر أن سبب نزولها أن

الصفحة 102