كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

والأول أولى والجملة قيل : معطوفة على ما قبلها عطف القصة على القصة وجعلها حالية غير ظاهر قل بلى رد لكلامهم وإثبات لما نفوه على معنى ليس الأمر إلا إتيانها وقوله تعالى : وربي لتأتينكم تأكيد له على أتم الوجوه وأكملها وجاء القسم بالرب للإشارة إلى أن إتيانها من شؤون الربوبية وأتى به مضافا إلى ضميره صلى الله تعالى عليه وسلم ليدل على شدة القسم وروى هرون كما قال إبن جني عن طليق قال : سمعت أشياخنا يقرؤون ليأتينكم بالياء التحتية وخرجت على أن الفاعل ضمير البعث لأن مقصودهم من نفي إتيان الساعة أنهم لا يبعثون وقيل : الفاعل ضمير الساعة على تأويلها باليوم أو الوقت وتعقبه أبو حيان بأنه بعيد إذ لا يكون مثل هذا إلا في الشعر نحو
ولا أرض ابقل إبقالها
وقوله تعالى : عالم الغيب بدل من المقسم به على ما ذهب إليه الحوفي وأبو البقاء وجوز أن يكون عطف بيان وأجاز أبو البقاء أن يكون صفة له
وتعقب بأنه صفة مشبهة وهي كما ذكره سيبويه في الكتاب لا تتعرف بالإضافة إلى معرفة والجمهور على أنها تتعرف بها ولذا ذهب جمع من الأجلة إلى أنه صفة ووصف سبحانه بإحاطة العلم إمدادا للتأكيد وتشديدا له إثر تشديد فإن عظمة حال المقسم به تؤذن بقوة حال المقسم عليه وشدة ثباته وإستقامته لأنه بمنزلة الإستشهاد على الأمر وكلما كان المستشهد به أعلى كعبا وأبين فضلا وأرفع منزلة كانت الشهادة أقوى وآكد والمستشهد عليه أثبت وأرسخ وخص هذا الوصف بالذكر من بين الأوصاف مع أن كل وصف يقتضي العظمة يتأتى به ذلك لما أن له تعلقا خاصا بالمقسم عليه فإنه أشهر أفراد الغيب في الخفاء ففيه مع رعاية التأكيد حسن الإقسام على منوال وثناياك أنها إغريض كأنه قيل : وربي العالم بوقت قيامها لتأتينكم وفيه إدماج أن لا كلام في ثبوتها
وقال صاحب الفرائد : جيء بالوصف المذكور لأن إنكارهم البعث بإعتبار أن الأجزاء المتفرقة المنتشرة يمتنع إجتماعها كما كانت يدل عليه قوله تعالى : قد علمنا ما تنقص الأرض منهم الآية فالوصف بهذه الأوصاف رد لزعمهم الإستحالة وهو أن من كان علمه بهذه المثابة كيف يمتنع منه ذلك إنتهى وأستحسنه الطيبي وقال في البحر : أتبع القسم بقوله تعالى : عالم الغيب وما بعده ليعلم أن إتيانها من الغيب الذي تفرد به عزوجل وما ذكر أولا أبعد مغزى وفائدة الأمر بهذه المرتبة من اليمين أن لا يبقى للمعاندين عذر ما أصلا فإنهم كانوا يعرفون أمانته صلى الله تعالى عليه وسلم ونزاهته عن وصمة الكذب فضلا عن اليمين الفاجرة وإنما لم يصدقوه عليه الصلاة و السلام مكابرة وغفل صاحب الفرائد عن هذه الفائدة فقال : أقتضى المقام اليمين لأن من أنكر ما قيل له فالذي وجب بعد ذلك إذا أريد إعادة القول له أن يكون مقترنا باليمين وإلا كان خطأ بالنظر إلى علم المعاني وإن كان صحيحا بالنظر إلى العربية والنحو وقد يغفل الأريب
وقرأ نافع وإبن عامر ورويس وسلام والجحدري وقعنب عالم بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو عالم وجوز الحوفي أن يكون مبتدأ خبره محذوف أي عالم الغيب هو وجوز هو وأبو البقاء أن يكون مبتدأ والجملة بعده خبره

الصفحة 105