كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

وقرأ إبن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي علام بصيغة المبالغة والخفض وقريء عالم بالرفع يكون بلا مبالغة الغيوب بالجمع لا يعزب عنه أي لا يبعد ومنه روض عزيب بعيد من الناس
وقرأ الكسائي بكسر الزاي مثقال ذرة مقدار أصغر نملة في السموات ولا في الأزض أي كائنة فيهما ولا أصغر من ذلك أي مثقال ذرة ولا أكبر أي منه والكلام على حد لا يغادر صغيرة ولا كبيرة ورفعهما على الإبتداء والخبر قوله تعالى : إلا في كتاب مبين 3 هو اللوح المحفوظ عند الأكثرين
والجملة مؤكدة لنفي العزوب وقرأ الأعمش وقتادة وأبو عمرو ونافع في رواية عنهما ولا أصغر ولا أكبر بالنصب على أن لا لنفي الجنس عاملة عمل إن وما بعدها أسمها منصوب بها لأنه شبيه بالمضاف ولم ينون للوصف ووزن الفعل فليس ذلك نحو لا مانع لما أعطيت والخبر هو الخبر على قراءة الجمهور وقال أبو حيان : لا لنفي الجنس وهي ما بني معها مبتدأ على مذهب سيبويه والخبر إلا في كتاب وما ذكرناه في توجيه القراءتين هو الذي ذهب إليه كثير من الأجلة وقيل : إن ذلك معطوف في قراءة الرفع على مثقال وفي القراءة الأخرى على ذرة والفتحة فيه نيابة عن الكسرة للوصف والوزن وإليه ذهب أبو البقاء وأستشكل بأنه يصير المعنى عليه إذا كان الإستثناء متصلا كما هو الأصل لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين فإنه يعزب عنه فيه وفساده ظاهر وألتزم السراج البلقيني على تقدير العطف المذكور أن يكون الإستثناء من محذوف والتقدير ولا شيء إلا في كتاب ثم قال : ولا بدع في حذف ما قدر لدلالة الكلام عليه ويحصل من مجموع ذلك إثبات العلم لله تعالى بكل معلوم وإن كل شيء مكتوب في الكتاب وقيل العطف على ما ذكر والإستثناء منقطع والمعنى لا يعزب عنه تعالى شيء من ذلك لكن هو في كتاب وقيل العطف على ذلك والكلام نهج قوله : ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب فالمعنى إن كان يعزب عنه شيء فهو الذي في كتاب مبين لكن الذي في الكتاب لا يعزب عنه فلا يعزب عنه شيء وفيه من البعد ما فيه وقيل : إن المراد بقوله تعالى لا يعزب إلخ أنه تعالى عالم به والمراد بقوله سبحانه إلا في كتاب نحو ذلك لأن الكتاب هو علم الله تعالى والمعنى وما يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء إلا يعلمه ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في علمه فيكون نيظر قوله وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب وفيه أنه أبعد مما قبله وقيل : يعزب بمعنى يظهر ويذهب والعطف على ما سمعت والمعنى لم يظهر شيء عن الله تعالى بعد خلقه له إلا وهو مكتوب في اللوح المحفوظ وتلخيصه كل مخلوق مكتوب وفيه أن هذا المعنى ليعزب غير معروف وإنما المعروف ما تقدم نعم قال الصغاني في العباب قال : أبو سعيد الضرير يقال ليس لفلان أمرأة تعز به أي تذهب عزبته بالنكاح مثل قولك تمرضه أي تقوم عليه في مرضه ثم قال الصغاني : والرتكيب يدل على تباعد وتنح فتفسيره بالظهور بعيد ولئن سلمنا قربه فلأي شيء جمع بين الظهور والذهاب وقيل إلا بمعنى الواو وهو مقدر في الكلام والكلام قد تم عند أكبر كأنه قيل : لا يعزب عنه ذلك وهو في كتاب ومجيء إلا بمعنى الواو ذهب إليه الأخفش من البصريين والفراء من الكوفيين

الصفحة 106