كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

وخرج عليه قوم يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم وخالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك وقد حكى هذا القول مكي في نظير الآية ثم قال : وهو قول حسن لولا أن جميع البصريين لا يعرفون إلا بمعنى الواو كأنه لم يقف على قول الأخفش وهو من رؤساء نحاة البصرة أو لم يعتبره فلذا قال جميع البصريين وقد كثر الكلام في هذا الوجه وإرتضاه السراج البلقيني وأنا لا أراه مرضيا وأن أوقد له ألف سراج وقيل العطف على ما سمعت وضمير عنه للغيب فلا أشكال إذ المعنى حينئذ لا يبعد عن غيبه شيء إلا ما كان في اللوح لبروزه من الغيب إلى الشهادة وإطلاع الملأ الأعلى عليه وتعقب بأن المعنى لا يساعده لأن الأمر الغيبي إذا برز إلى الشهادة لم يعزب عنه بل بقى في الغيب على ما كان عليه مع بروزه ومعناه أن كونه في اللوح المحفوظ كناية عن كونه من جملة معلوماته تعالى وهي إما مغيبة وإما ظاهرة وكل مغيب سيظهر وإلا كان معدوما لا مغيبا وظهوره وقت ظهوره لا يرفع كونه مغيبا فلا يكون إستثناء متصلا ألا ترى أنك لو قلت علم الساعة مغيب عن الناس إلا علمهم بها حين تقوم ويشاهدونها لم يكن هذا الإستثناء متصلا كذا قيل فتأمل ولا تغفل
وأنت تعلم أن هذا الوجه على فرض عدم ورود ما ذكر عليه ضعيف لأن الظاهر الذي يقتضيه قوله تعالى وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء الآية رجوع الضمير إلى الله عزوجل
والذي ذهب إليه أبو حيان أن الكتاب ليس هو اللوح وليس الكلام إلا كناية عن ضبط الشيء والتحفظ به وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما ولا أصغر من ذلك ولا أكبر بكسر الراءين
وخرج على أنه نوى مضاف إليه والتقدير ولا أصغره ولا أكبره و من ذلك ليس متعلقا بأفعل بل هو تبيين لأنه لما حذف المضاف إليه أبهم لفظا فبين بقوله تعالى من ذلك أي أعني من ذلك ولا يخفى أنه توجيه شذوذ
ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات متعلق بقوله سبحانه لتأتينكم على أنه علة له وبيان لمقتضى إتيانها فهو من تتمة المقسم عليه فحاصل الكلام أن الحكمة تقتضي إثباتها والعلم البالغ المحيط بالغيب وجميع الجزئيات جليها وخفيها حاصل والقدرة المقتضية لإيجاد العالم وما فيه وجعله نعمة على ما مر فقد تم المقتضى وأرتفع المانع فليس في الآية إكتفاء في الرد بمجرد اليمين وأستظهر في البحر تعلقه بلا يعزب
وذهب إليه أبو البقاء وتعقب بأن علمه تعالى ليس لأجل الجزاء وقيل متعلق بمتعلق في كتاب وهو كما ترى
أولئك إشارة إلى الموصول من حيث إتصافه بما في حيز الصلة وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد منزلتهم في الفضل والشرف أي أولئك الموصوفون بالإيمان وعمل الأعمال الصالحات لهم بسبب ذلك مغفرة لما فرط منهم من بعض فرطات قلما يخلو عنها البشر ورزق كريم 4 حسن لا تعب فيه ولا من عليه والذين سعوا في آياتنا بالقدح فيها وصيد الناس عن التصديق بها معاجزين أي مسابقين يحسبون أنهم يفوتوننا قاله قتادة وقال عكرمة : مراغمين وقال إبن زيد : مجاهدين في إبطالها
وقرأ جمع معجزين مخففا وإبن كثير وأبو عمرو والجحدري وأبو السمال مثقلا قال إبن الزبير : اي مثبطين عن الإيمان من أراده مدخلين عليه العجز في نشاطه وقيل معجزين قدرة الله عزوجل في زعمهم
أولئك الموصوفون بما ذكر وفيه إشارة إلى بعد منزلتهم في الشر لهم بسبب ذلك عذاب من رجز

الصفحة 107