كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

أي من سيء العذاب وأشده ومن للبيان أليم 5 بالرفع صفة عذاب وقرأ أكثر السبعة بالجر على أنه صفة مؤكدة لرجز بناء على ما سمعت من معناه وجعله بعضهم صفة مؤسسة له بناء على أن الرجز كما روى عن قتادة مطلق العذاب وجوز جعله صفة عذاب أيضا والجر للمجاورة والظاهر أن الموصول مبتدأ والخبر جملة أولئك لهم عذاب وجوز أن يكون في محل نصب عطفا على الموصول قبله أي ويجزي الذي سعوا وجملة أولئك لهم إلخ التي بعده مستأنفة والتي قبله معترضة وفي البحر يحتمل على تقدير العطف على الموصول أن تكون الجملتان المصدرتان بأولئك هما نفس الثواب والعقاب ويحتمل أن يكونا مستأنفتين والثواب والعقاب غير ما تضمنتا مما هو أعظم كرضا الله تعالى عن المؤمن دائما وسخطه على الكافر دائما وفيه أنه كيف يتأتى حمل ذلك على رضا الله تعالى وضده وقد صرح أولا بالمغفرة والرزق الكريم وفي مقابله بالعذاب الأليم وجعل الأول جزاء
ويرى الذين أوتوا العلم أي ويعلم أولوا العلم من أصحاب رسول الله ومن يطأ أعقابهم من أمته عليه الصلاة و السلام أو من آمن من علماء أهل الكتاب كما روى عن قتادة كعبدالله بن سلام وكعب وأضرابهما رضي الله تعالى عنهم الذي أنزل إليك من ربك أي القرآن هو الحق بالنصب على أنه مفعول ثان ليرى والمفعول الأول هو الموصول الثاني و هو ضمير الفصل
وقرا إبن أبي عبلة بالرفع على جعل الضمير مبتدأ وجعله خبرا والجملة في موضع المفعول الثاني ليرى وهي لغة تميم يجعلون ما هو فصل عند غيرهم مبتدأ وقوله تعالى : ويرى إلخ إبتداء كلام غير معطوف على ما قبله مسوق للإستشهاد بأولى العلم على الجهلة الساعين في الآيات وفي الكشف هو عطف على قوله تعالى وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة على معنى وقال الجهلة : لا ساعة وعلم أولى العلم أنه الحق الذي نطق به المنزل إليك الحق وتعقب بأنه تكلف بعيد فإن دلالة النظم الكريم على الإهتمام بشأن القرآن لا غير وقيل عليه : أنت خبير بأن ما قبله من قوله تعالى : وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة وقوله سبحانه : وقال الذين كفروا هل ندلكم إلخ في شأن الساعة ومنكري الحشر فكيف يكون ماذكر بعيدا بسلامة الأمير فذكر حقية القرآن بطريق الإستطراد والمقصود بالذات حقية ما نطق به من أمر الساعة وقال الطبري والثعلبي : إن يرى منصوب بفتحة مقدرة عطفا على يجزي أي وليعلم أولوا العلم عند مجيء الساعة معاينة أنه الحق حسبما علموه قبل برهانا ويحتجوا به على المكذبين وعليه فقوله تعالى : والذين سعوا معطوف على الموصول الأول أو مبتدأ والجملة معترضة فلا يضر الفصل كما توهم وجوز أن يراد بأولى العلم من لم يؤمن من الأحبار أي ليعلموا يومئذ أنه هو الحق فيزدادوا حسرة وغما ةتعقب بأن وصفهم بأولى العلم يأباه لأنه صفة مادحة ولعل المجوز لا يسلم هذا نعم كون ذلك بعيدا لا ينكر لا سيما وظاهر المقابلة بقوله تعالى : وقال الذين كفروا يقتضي الحمل على المؤمنين ويهدي إلى صراط العزيز الذي يقهر ولا يقهر الحميد 6 المحمود في جميع شؤنه عزوجل والمراد بصراطه تعالى التوحيد والتقوى وفاعل يهدي إما ضمير الذي أنزل أو ضمير الله تعالى ففي العزيز الحميد إلتفات والجملة على الأول إما مستأنفة أو في موضع الحال من الذي على إضمار مبتدأ أي وهو يهدي كما في قوله :
نجوت وأرهنهم مالكا
أو معطوفة على الحق بتقدير وإنه يهدي وجوز أن يكون يهدي

الصفحة 108