كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

تعالى وسلامه عليه وإثباتا له فيهم إلى آخر ما قال ولم يرتض ذلك صاحب الكشف فقال في كلام الكشاف إشارة إلى أن أم متصلة : وفائدة العدول عن الفعل في جن إيماء إلى أن الثابت هو ذلك الشق كأنه قيل : أعن إفتراء هذا الكذب العجاب أم جنون والتقابل لأن المجنون لا إفتراء له فالإستدلال على الإنقطاع بتخالف العديلين ساقط وأما الترقي من الإتصال أيضا على ما لوح إليه بوجه ألطف
وأنت تعلم أن ظاهر الإستدلال يقتضي الإتصال لكن قال الخفاجي : إن كون الإستدلال مبنيا على الإتصال غير مسلم فتأمل والظاهر أفترى على الله كذبا أم به جنة من قول بعضهم لبعض وفي البحر يحتمل أن يكون من كلام السامع المجيب لمن قال هل ندلكم ردد بين شيئين ولم يجزم بأحدهما لما في كل من الفظاعة
بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد 8 إبطال من جهته تعالى لما قالوا بقسيميه وإثبات ما هو أشد وأفظع لهم ولذا وضع الذين لا يؤمنون موضع الضمير توبيخا لهم وإيماء إلى سبب الحكم بما بعده كأنه قيل : ليس الأمر كما زعموا بل هم في كمال إختلال العقل وغاية الضلال عن الفهم والإدراك الذي هو الجنون حقيقة وفيما يؤدي إليه ذلك من العذاب حيث أنكروا حكمة الله تعالى في خلق العالم وكذبوه عزوجل في وعده ووعيده وتعرضوا لسخطه سبحانه وتقديم العذاب على ما يوجبه ويستتبعه للمسارعة إلى بيان ما يسوءهم ويفت في إعضادهم والإشعار بغاية سرعة ترتبه عليه كأنه يسابقه فيسبقه ووصف الضلال بالبعيد الذي هو وصف الضال للمبالغة لأن ضلالهم إذا كان بعيدا في نفسه فكيف بهم أنفسهم
وقوله تعالى : أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء قيل : هو إستئناف مسوق لتذكيرهم بما يعاينون مما يدل على كمال قدرته عزوجل وتنبيههم على ما يحتمل أن يقع من الأمور الهائلة في ذلك إزاحة لإستحالتهم الأحياء حتى قالوا ما قالوا فيمن أخبرهم به وتهديدا على ما أجترؤا عليه والمعنى أعموا فلم ينظروا إلى ما أحاط بجوانبهم من السماء والأرض ولم يتفكروا أنهم أشد خلقا أم هي وأنا إن نشأ نخسف بهم الأرض كما خسفناها بقارون أو نسقط عليهم كسفا أي قطعا من السماء كما أسقطنا على اصحاب الأيكة لتكذيبهم بالآيات بعد ظهور البينات وهو تفسير ملائم للمقام إلا أن ربط قوله تعالى إن نشأ إلخ بما قبله بالطريق الذي ذكره بعيد وفي البحر أنه تعالى وقفهم في ذلك على قدرته الباهرة وحذرهم إحاطة السماء والأرض بهم وكأن ثم حالا محذوفة أي أفلا يرون إلى ما يحيط بهم من سماء وأرض مقهورا تحت قدرتنا نتصرف فيه كما نريد إن نشأ نخسف بهم الأرض إلخ أو فلم ينظروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم محيطا بهم وهو مقهورون فيما بينه إن نشأ إلخ ولا يخلو عن شيء وقال العلامة أبو السعود : إن قوله تعالى أفلم يروا إلخ إستئناف مسوق لتهويل ما أجترؤا عليه من تكذيب آيات الله تعالى وإستعظام ما قالوا في حقه عليه الصلاة و السلام وأنه من العظائم الموجبة لنزول أشد العقاب وحلول أفظع العذاب من غير ريث وتأخير وقوله تعالى إن نشأ إلخ بيان لما ينبيء عنه ذكر إحاطتهما بهم من المحذور المتوقع من جهتهما وفيه تنبيه على أنه لم يبق من أسباب وقوعه إلا تعلق المشيئة به أي فعلوا ما فعلوا من المنكر الهائل المستتبع للعقوبة فلم ينظروا إلى ما أحاط بهم من جميع جوانبهم بحيث لا مفر لهم عنه ولا محيص إن نشأ جريا على موجب جناياتهم نخسف إلخ ولا يخفى أن فيه بعدا وضعف ربط بالنسبة إلى ما سمعت أولا مع أن ما بعده ليس فيه كثير ملائمة لما قبله عليه ويخطر لي أن قوله تعالى أفلم يروا مسوق لتذكيرهم

الصفحة 111