كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

بأظهر شيء لهم بحيث أنهم يعاينونه أينما ألتفتوا ولا يغيب عن أبصارهم حيثما ذهبوا يدل على كمال قدرته عزوجل إزاحة لما دعاهم إلى ذلك الإستهزاء والوقيعة بسيد الأنبياء عليه وعليهم الصلاة والسلام من زعمهم قصور قدرته تعالى عن البعث والأحياء ضرورة أن من قدر على خلق تلك الأجرام العظام لا يعجزه إعادة أجسام هي كلا شيء بالنسبة إلى تلك الأجرام كما قال سبحانه أو ليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم وفيه من التنبيه على مزيد جهلهم المشار إليه بالضلال البعيد ما فيه وقوله تعالى إن في ذلك أي فيما ذكر مما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض لآية أي لدلالة واضحة على كمال قدرة الله عزوجل وأنه لا يعجزه البعث بعد الموت وتفرق الأجزاء المحاطة بهما لكل عبد منيب 9 أي راجع إلى ربه تعالى مطيع له جل شأنه لأن المنيب لا يخلو من النظر في آيات الله عزوجل والتفكر فيها كالتعليل لما يشعر به قوله سبحانه أفلم يروا إلخ من الحث على الإستدلال بذلك على ما يزيح إنكارهم البعث وفيه تعريض بأنهم معرضون عن ربهم سبحانه غير مطيعين له جل وعلا وتخلص إلى ذكر المنيبين إليه تعالى على قول وقوله تعالى إن نشأ كالإعتراض جيء به لتأكيد تقصيرهم والتنبيه على أنهم بلغوا فيه مبلغا يستحقون به في الدنيا فضلا عن الأخرى نزول أشد العقاب وحلول أفظع العذاب وأنه لم يبق من أسباب ذلك إلا تعلق المشيئة به إلا أنها لم تتعلق لحكمة وظني أنه حسن وتحتمل الآية غير ذلك والله تعالى أعلم بأسرار كتابه وقيل : إن ذلك إشارة إلى مصدر يروا وهو الرؤية وذكر لتأويله بالنظر والمراد به الفكر وقيل إشارة إلى ما تلى من الوحي الناطق بما ذكر وقرأ حمزة والكسائي وإبن وثاب وعيسى والأعمش وإبن مصرف يشأ ويخسف ويسقط بالياء فيهن وأدغم الكسائي الفاء في الباء في يخسف بهم قال أبو علي : ولا يجوز ذلك لأن الباء أضعف في الصوت من الفاء فلا تدغم فيها وإن كانت الباء تدغم في الفاء نحو أضرب فلانا وهذا كما تدغم الباء في الميم نحو أضرب مالكا ولا تدغم الميم في الباء نحو أضمم بك لأن الباء أنحطت عن الميم بفقد العنة التي فيها وقال الزمخشري : قرأ الكسائي يخسف بهم بالإدغام وليست بقوية وأنت تعلم أن القراءة سنة متبعة ويوجد فيها الفصيح والأفصح وذلك من تيسير الله تعالى القرآن للذكر وما أدغم الكسائي إة عن سماع فلا إلتفات إلى قول أبي علي ولا الزمخشري ولقد آتينا داؤد منا فضلا أي آتيناه لحسن إنابته وصحة توبته فضلا أي نعمة وإحسانا وقيل فضلا وزيادة على سائر الأنبياء المتقدمين عليه أو أنبياء بني إسرائيل أو على ما عدا نبينا لأنه ماا من فضيلة في أحد من الأنبياء عليهم السلام إلا وقد أوتي عليه الصلاة و السلام مثلها بالفعل أو تمكن منها فلم يختر إظهارها أو على الأنبياء مطلقا وقد يكون في المفضول ما ليس في غيره وقد أنفرد عليه السلام بما ذكر ههنا وقيل : أو على سائر الناس فيندرج فيه النبوة والكتاب والملك والصوت الحسن وتعقب بأنه إن أريد أن كلا منها فضل لا يوجد في سائر الناس فعدم مثل ملكه وصوته محل شبهة وإن أريد المجموع من حيث هو نفيه أنه غير موجود في الأنبياء أيضا فلا وجه لتخصيصه بهذا الوجه
وأنا أرى الفضل لتفسير الفضل بالإحسان وتنكيره للتفخيم و منا أي بلا واسطة لتأكيد فخامته الذاتية بفخامته الإضافية كما في قوله تعالى وآتيناه من لدنا علما وتقديمه على المفعول الصريح للإهتمام بالمقدم والتشويق إلى المؤخر ليتمكن في النفس عند وروده فضل تمكن وذكر شؤن داؤد وسليمان عليهما السلام هنا لمناسبة ذكر المنيب في

الصفحة 112