كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

يجوز إبدال الجملة من المفرد وجوز أبو حيان الإستئناف وليس بذاك
وقرأ إبن عباس والحسن وقتادة وإبن أبي إسحاق أوبي بضم الهمزة وسكون الواو أمر من الأوب وهو الرجوع وفرق بينهما الراغب بأن الأوب لا يقال إلا في الحيوان الذي له إرادة والرجوع يقال فيه وفي غيره
والمعنى على هذه القراءة عند الجمهور أرجعي معه في التسبيح وأمر الجبال كأمر الواحدة المؤنثة لأن جمع ما لا يعقل يجوز فيه ذلك ومنه ياخيل الله أركبي وكذا مآرب أخرى وقد جاء ذلك في جمع من يعقل من المؤنث قال الشاعر : تركنا الخيل والنعم المفدى وقلنا للنساء بها أقيمي لكن هذا قليل والطير بالنصب وهو عند أبي عمرو بن العلاء بإضمار فعل تقديره وسخرنا له الطير وحكى أبو عبيدة عنه إن ذاك بالعطف على فضلا ولا حاجة إلى الإضمار لأن إيتاءها إياه عليه السلام تسخيرها له وذكر الطيبي أن ذلك كقوله :
علفتها تبنا وماء باردا
وقال الكسائي : بالعطف أيضا إلا أنه قدر مضافا أي وتسبيح الطير ولا يحتاج إليه وقال سيبويه : الطير معطوف على محل جبال نحو قوله :
ألأ يازيد والضحاك سيرا
بنصب الضحاك ومنعه بعض النحويين للزوم دخول ياعلي المنادى المعرف بأل والمجيز يقول : رب شيء يجوز تبعا ولا يجوز إستقلالا وقال الزجاج : هو منصوب على أنه مفعول معه وتعقبه أبو حيان بأنه لا يجوز لأن قبله معه ولا يقتضي إثنين من المفعول معه إلا على البدل أو العطف فكما لا يجوز جاء زيد مع عمرو مع زينب إلا بالعطف كذلك هذا وقال الخفاجي : لا يأباه معه سواء تعلق بأوبي على أنه ظرف لغو أو جعل حالا لأنهما معمولان متغايران إذ الظرف والحال غير المفعول معه وكل منها باب على حده وإنما الوهم لذلك لفظ المعية فما أعترض به أبو حيان غير متوجه وإن ظن كذلك وأقبح من الذنب الإعتذار حيث أجيب بأنه يجوز أن يقال حذفت واو العطف من قوله تعالى : والطير إستثقالا لإجتماع الواوين أو أعتبر تعلق الثاني بعد تعلق الأول
وقرأ السلمي وإبن هرمز وأبو يحيى وأبو نوفل ويعقوب وإبن أبي عبلة وجماعة من أهل المدينة وعاصم في رواية والطير بالرفع وخرج على أنه معطوف على جبال بإعتبار لفظه وحركته لعروضها تشبه حركة الإعراب ويغتفر في التابع مالا يغتفر في المتبوع وقيل معطوف على الضمير المستتر في أوبي وسوغ ذلك الفصل بالظرف وقيل : هو بتقدير ولتؤوب الطير نظير ما قيل في قوله تعالى : أسكن أنت وزوجك الجنة
وقيل : هو مرفوع بالإبتداء والخبر محذوف أي والطير تؤوب وألنا له الحديد وجعلناه في يده كالشمع والعجين يصرفه كما يشاء من غير نار ولا ضرب مطرقة قاله السدي وغيره وقيل : جعلناه بالنسبة إلى قوته التي آتيناها إياه لينا كالشمع بالنسبة إلى قوى سائر البشر أن أعمل سابغات أن مصدرية وهي على إسقاط حرف الجر أي ألنا له الحديد لعمل سابغات أو وأمرناه بعمل سابغات والأول أولي وأجاز الحوفي وغيره أن تكون مفسرة ولما كان شرط المفسرة أن يتقدمها معنى القول دون حروفه وألنا ليس فيه ذلك قدر بعضهم قبلها فعلا محذوفا فيه معنى القول ليصح كونها مفسرة أي وأمرناه أن أعمل أي أي أعمل وأورد عليه أن حذف المفسر لم يعهد والسابغات الدروع وأصله صفة من السبوغ وهو التمام والكمال فغلب على الدروع

الصفحة 114