كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

كالأبطح قال الشاعر : لا سابغات ولا جأواء باسلة تقي المنون لدى إستيفاء آجال ويقال سوابغ أيضا كما في قوله : عليها أسود ضاريات لبوسهم سوابغ بيض لا تخرقها النبل فلا حاجة إلى تقدير موصوف أي دروعا سابغات ولا يرد هذا نقصا على ما قيل إن الصفة ما لم تكن مختصة بالموصوف كحائض لا يحذف موصوفها وقريء صابغات بإبدال السين صادا لأجل الغين وقدر في السرد السرد نسج في الأصل كما قال الراغب خرز ما يخشن ويغلظ قال الشماخ فظلت سراعا خيلنا في بيوتكم كما تابعت سرد العنان الخوارز وأستعير لنظم الحديد وفي البحر هو إتباع الشيء بالشيء من جنسه ويقال للدرع مسرودة لأنه توبع فيها الحلق بالحلق قال الشاعر : وعليهما مسرودتان قضاهما داؤد أو صنع السوابغ تبع ولصانعها سراد وزراد بإبدال السين زايا وفسره هنا غير واحد بالنسج وقال : المعنى أقتصد في نسج الدروع بحيث تتناسب حلقها وإبن عباس فيما أخرجه عنه إبن جرير وإبن المنذر وإبن أبي حاتم من طرق بالحلق أي أجعل حلقها على مقادير متناسبة وقال إبن زيد : لا تعملها صغيرة فتضعف فلا يقوى الدرع على الدفاع ولا كبيرة فينال صاحبها من خلالها وجاء في رواية أخرى عن إبن عباس تفسيرها بالمسامير وروى ذلك عن قتادة ومجاهد أي قدر مساميرها فلا تعملها دقاقا ولا غلاظا أي أجعلها على مقدار معين دقة وغيرها مناسبة للثقب الذي هيء لها في الحلقة فإنها إن كانت دقيقة أضطربت فيها فلم تمسك طرفيها وإن كانت غليظة خرقت طرف الحلقة الموضوعة فيه فلا تمسك أيضا ويبعد هذا أن إلانة الحديد له عليه السلام بحيث كان كالشمع والعجين يغني عن التسمير فإنه بعد جمع الحلق وإدخال بعضه في بعض يزال إنفصال طرفي كل حلقة بمزج الطرفين كما يمزج طرفا حلقة من شمع أو عجين والأحكام بذلك أتم من الأحكام بالتسمير بل لا يبقى معه حاجة إلى التسمير أصلا فلعله إن صح مبني على أنه عليه السلام كان يعمل الحلق من غير مزج لطرفي كل فيسمر للأحكام بعد إدخال بعضه في بعض ويظهر ذلك على التفسير الثاني لقوله تعالى وألنا له الحديد إذ غاية القوة كسر الحديد كما يريد من غير آلة دون وصل بعضه ببعض ولا يعارض ذلك ما نقل عن البقاعي أنه قال : أخبرنا بعض من رأى ما نسب إلى داؤد عليه السلام من الدروع أنه بغير مسامير فإنه نقل عن مجهول فلا يلتفت لمثله وقيل معنى قدر في السرد لا تصرف جميع أوقاتك فيه بل مقدار ما يحصل به القوت وأما الباقي فأصرفه إلى العبادة قيل وهو الأنسب بالأمر الآتي وحكى أنه عليه السلام أول من صنع الدرع حلقا وكانت قبل صفائح وروى ذلك عن قتادة
وعن مقاتل أنه عليه السلام حين ملك على بني إسرائيل يخرج متنكرا فيسأل الناس عن حاله فعرض له ملك في صورة إنسان فسأله فقال : نعم العبد لولا خلة فيه فقال وما هي قال : يرزق من بيت المال ولو أكل من عمل يده تمت فضائله فدعا الله تعالى أن يعلمه صنعة ويسهلها عليه صنعة الدروع وألان له الحديد فأثرى

الصفحة 115