كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

وكان ينفق ثلث المال في مصالح المسلمين وكان يفرغ من الدرع في بعض يوم أو في بعض ليل وثمنها ألف درهم
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول وإبن أبي حاتم عن إبن شوذب قال : كان داؤد عليه السلام يرفع في كل يوم درعا فيبيعها بستة آلاف درهم ألفان له ولأهله وأربعة آلاف يطعم بها بني إسرائيل الخبز الحواري وقيل : كان يبيع الدرع بأربعة آلاف فينفق منها على نفسه وعياله ويتصدق على الفقراء وفي مجمع البيان عن الصادق رضي الله تعالى عنه أنه عمل ثلثمائة وستين درعا فباعها بثلثمائة وستين ألف درهم فأستغنى عن بيت المال وأعملوا صالحا خطاب لداؤد وآله عليهم السلام وهم وإن لم يجر لهم ذكر يفهمون على ما قال الخفاجي إلتزاما من ذكره وجوز أن يكون خطابا له عليه السلام خاصة على سبيل التعظيم وأياما كان فالظاهر أنه أمر بالعمل الصالح مطلقا وليس هو على الوجه الثاني أمر بعمل الدروع خالية من عيب
إني بما تعملون بصير 01 فأجازيكم به وهو تعليل للأمر أو لوجوب الإمتثال به على وجه الترغيب والترهيب ولسيمان الريح أي وسخرنا له الريح وقيل لسليمان عطف على له في ألنا له الحديد والريح عطف على الحديد وألانة الريح عبارة عن تسخيرها
وقرأ أبو بكر الريح بالرفع على أنه مبتدأ و لسيمان خبره والكلام على تقدير مضاف أي ولسيمان تسخير الريح وذهب غير واحد إلى أنه مبتدأ ومتعلق الجار كون خاص هو الخبر وليس هناك مضاف مقدر أي ولسليمان الريح مسخرة وعندي أن الجملة على القراءتين معطوفة على قوله تعالى ولقد آتينا داؤد منا فضلا إلخ عطف القصة عل ىالقصة وقال إبن الشيخ : العطف على القراءة الأولى على ألنا له الحديد وكلتا الجملتين فعلية وعلى القراءة الثانية العطف على أسمية مقدرة دلت عليها تلك الجملة الفعلية لا عليها للتخالف فكأنه قيل : ما ذكرنا لدأود ولسليمان الريح فإنها كانت له كالمملوك المختص بالمالك يأمرها بما يريد ويسير عليها حيثما يشاء ثم قال : وإنما لم يقل ومع سليمان الريح لأن حركتها ليست بحركة سليمان بل هي تتحرك بنفسها وتحرك سليمان وجنوده بحركتها وتسير بهم حيث شاء وهذا على خلاف تأويب الجبال فإنه كان تبعا لتأويب داؤد عليه السلام فلذا جيء هناك بمعه
وقرأ الحسن وأبو حيوة وخالد بن الياس الرياح بالرفع جمعا غدوها شهر ورواحها شهر أي جريها بالغداة مسيرة شهر وجريها بالعشي كذلك والجملة إما مستأنفة أو حال من الريح ولا بد من تقدير مضاف في الخبر لأن الغدو والرواح ليس نفس الشهر وإنما يكونان فيه ولا حاجة إلى تقدير في المبتدأ كما فعل مكي حيث قال : أي مسير غدوها مسيرة شهر ومسير رواحها كذلك لما لا يخفى وقال إبن الحاجب في أماليه الفائدة في إعادة لفظ الشهر الإعلام بمقدار زمن الغدو وزمن الرواح والألفاظ التي تأتي مبينة للمقادير لا يحسن فيها الإضمار ألا ترى أنك تقول زنة هذا مثقال وزنة هذا مثقال فلا يحسن الإضمار كما لا يحسن في التمييز وأيضا فإنه لو أضمر فالضمير إنما يكون لما تقدم بإعتبار خصوصيته فإذا لم يكن له بذلك الإعتبار وجب العدول إلى الظاهر ألا ترى أنك إذا أكرمت رجلا وكسوت ذلك الرجل بخصوصه لكانت العبارة أكرمت رجلا وكسوته ولو أكرمت رجلا وكسوت رجلا آخر لكانت العبارة أكرمت رجلا وكسوت رجلا فتبين أنه ليس من وضع الظاهر موضع الضمير كذا في حواشي الطيبي عليه الرحمة ولا يخفى أن ما ذكره مبني على ما هو الغالب وإلا فقد قال تعالى

الصفحة 116