كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره ولم يقتصر على الأعلام بزمن الغدو ليقاس عليه زمن الرواح لأن الريح كثيرا ما تسكن أو تضعف حركتها بالعشي فدفع بالتنصيص على بيان زمن الرواح توهم إختلاف الزمانين قال قتادة : كانت الريح تقطع به عليه السلام في الغدو إلى الزوال مسيرة شهر وفي الرواح من بعد الزوال إلى الغروب مسيرة شهر
وأخرج أحمد في الزهد عن الحسن أنه قال في الآية كان سليمان عليه السلام يغدو من بيت المقدس فيقيل بأصطخر ثم يروح من أصطخر فيقيل بقلعة خراسان
وقد ذكر حديث هذه الريح في بعض الأشعار القديمة قال وهب : ونقله عنه في البحر وجدت أبياتا منقورة في صخرة بأرض كسكر لبعض أصحاب سليمان عليه السلام وهي
ونحن ولا حول سوى حول ربنا
نروح من الأوطان من أرض تدمر إذا نحن رحنا كان ريث رواحنا
مسيرة شهر والغدو لآخر أناس شروا لله طوعا نفوسهم
بنصر إبن داؤد النبي المطهر لهم في معالي الدين فضل ورفعة
وإن نسبوا يوما فمن خير معشر متى تركب الريح المطيعة أسرعت
مبادرة عن شهرها لم تقصر تظلهم طير صفوف عليهم
متى رفرفت من فوقهم لم تنفر وذكر أيضا رضي الله تعالى عنه أنه عليه السلام كان مستقرة تدمر وأن الجن قد بنتها له بالصفاح والعمد والرخام الأبيض والأشقر وقال : وفيه يقول النابغة : ألا سليمان إذ قال الإله له
قم في البرية فأصددها عن الفند وجيش الجن إني قد أذنت لهم
يبنون تدمر بالصفاح والعمد إنتهى وما ذكره في تدمر هو المشهور عند العامة وقد ذكر ذلك الثعالبي في تفسيره مع الأبيات المذكورة لكن في القاموس تدمر كتنصر بنت حسان بن أذينة بها سميت مدينتها وهو ظاهر في المخالفة ولعل التعويل على ما فيه إن لم يمكن الجمع والله تعالى أعلم بحقيقة الحال
وقرأ إبن أبي عبلة غدوتها وروحتها على وزن فعلة وهي المرة الواحدة من غدا وراح وأسلنا له عين القطر أي النحاس الذائب من قطر يقطر قطرا وقطرانا بسكون الطاء وفتحها وقيل الفلزات النحاس والحديد وغيرهما وعلى الأول جمهور اللغويين وأريد بعين القطر معدن النحاس ولكنه سبحانه أساله كما ألان الحديد لداؤد فنبع كما ينبع الماء من العين فلذلك سمى عين القطر بأسم ما آل إليه وذكر الجلبي أن نسبة الإسالة إلى العين مجازية كما في جري النهر
وقال الخفاجي : إن كانت العين هنا بمعنى الماء المعين أي الجاري وإضافتها كما في لجين الماء فلا تجوز في النسبة وإنما هو من مجاز الأول على أن العين منبع الماء ولا حاجة إليه فتأمل
وقال بعضهم : القطر النحاس وعين بمعنى ذات ومعنى أسلنا أذبنا فالمعنى أذبنا له النحاس على نحو ما كان الحديد يلين لداؤد عليه السلام فكانت الأعمال تتأتى منه وهو بارد دون نار ولم يلن ولا ذاب لأحد قبله

الصفحة 117